استفاق سكّان العاصمة السوريّة على أصوات قصف الطائرات في محيط دمشق، بينما يستمر تساقط قذائف الهاون بأكثر من مكان حتى حلول مساء الأربعاء 14 أكتوبر/ تشرين الأوّل 2015، لكنّ وقائع هذا اليوم الساخن؛ لم يحل دون اكتمال فعاليةٍ ثقافية حملت عنوان "هنا لنا"، نظمتها مجموعة "أحباب يا بلدي" بـ "أوبرا دمشق" عن فكرة للفنّان السوري دريد لحّام، بالشراكة مع الفنّان مصطفى الخاني، والمؤلف الموسيقي طاهر مامللي، بحضور جمهورٍ ملأ صالة المسرح الكبير في دار الأوبرا.
استغرق التخطيط، والتحضير لهذا الحدث الخيري الذي يعود ريعه لعلاج مصابي عمّال النظافة، والكهرباء، والإطفاء، وكوادر الإسعاف؛ قرابة العامين، وقُدّمت فيه 12 أغنيةّ بأصوات مغنيين معروفين هم: ميّادة بسيليس، وشهد برمدا، وشادي أسود، وليندا بيطار، وميس حرب، ووفيق حبيب، والموهبة الغنائية السوريّة همسة منيف التي أثبتت حضورها في برنامج "The Winner" قبل عامين، كذلك غنّى الفنّان حسام تحسين بيك "أنا سوري آه يا نيّالي"، ومصطفى الخاني "لعيونك ياشام"، ودريد لحّام "لولو لو لالي" بتوزيعٍ جديد يحمل توقيع عازف العود السوري كمال سكيكر، وقاد الفرقة الموسيقية المايسترو أندريه معلولي.
أما بقيّة الأغاني، فكانت في معظمها تحظى بشعبيةٍ كبيرة لدى السوريين، مثل "بكتب اسمك يا بلادي"، و"اشتقنا كتير يا حبايب"، و"سنرجع يوماً إلى حيّنا"، و"يومٍ على يوم لو طالت الفرقة"؛ وهي أغانٍ تحمل في معانيها، الدعوة للعودة إلى حضن البلاد، وعودة المحبة بين أهلها، تلك المعاني تم تعزيزها بأغنية "هنا لنا" التي كانت ختام الحدث، وتقول في مطلعها: "يا طيور الغيم طيروا، عجناح الوجع طيروا، واندهوا عاللي غرّبوا، يللي هجرتوا ارجعوا، لحضن اللي ربتنّا..."
كلماتٌ كتبها وغنّاها دريد لحّام، وشاركه في غنائها مصطفى الخاني، والطفل مارك معرّاوي، الذي شكّل جمال صوته مفاجأة كبيرة، سيكون بإمكان الجمهور العربي اكتشافها قريباً ، في برنامج المواهب الغنائية The Voice Kids على شبكة MBC، كما شاركهم الغناء أطفال جوقة "ألوان".
طبعت كلمات الأغاني، ووزّعت على الجمهور لخلق نوعٍ من التفاعل أثناء الغناء، وهذا ما تم بالفعل، وقبل تقديم كل أغنيّة، وجّهت اثنا عشرة شخصيّة سوريّة معروفة، من بينهم الفنّانون عبّاس النوري، ونادين خوري، وسلمى المصري، وفادي صبيح، ومحمد حداقي، وميسون أبو أسعد؛ رسائل كتبها دريد لحّام، بعضها يحمل معاني الوجع، والمعاناة من الحرب، وأخرى تحمل طابعاً تهكمياً، لا يخلو من الإشارات السياسية.
ولكن هل ستصل هذه الرسائل، لجميع السوريين الذين يؤكد القائمون على هذا الحدث التوجه لهم سواءً كانوا داخل البلاد، أو خارجها؟ خاصّةً أن معظم من وجهها لاتزال مواقفهم إزاء ما يجري في سوريا تثير الجدل في أوساط سوريين آخرين غادروا بلادهم تحت وطأة ظروف الحرب الضاغطة، أو بناءً على مواقف سياسية مناقضة، وذلك بموازاةٍ جدلٍ آخر تثيره إقامة هذ النوع من الفعاليات الثقافية والفنيّة، بين من يؤيدون إقامتها ويسعون لحضورها، وآخرون يرون بأنّها: "تستهين بالدم السوري، أو تقدّم حالةً تجميلية غير حقيقية لقسوة واقع الحرب، وويلاتها."
المؤلف الموسيقي طاهر مامللي صرّح في المؤتمر الصحفي الذي سبق فعالية "هنا لنا"، بأن هذه الفعالية "ليست احتفالية، بل رسالة للسوريين سواءً اولئك الذين يقيمون داخل البلاد أو خارجها، تفيد بأننا نحن أصحاب المكان، الذي هو لنا جميعاً، وعودوا لكي نعمّره معاً."
وفي إجابةٍ على سؤال CNN بالعربية، حول ما إذا كان هذا الصوت سيصل حقاً للسوريين، قال الفنّان دريد لحّام: "حتى لو لم يكن هناك من سيسمع، لن نسكت أبداً، فالسكوت لا يفيدنا، تخيّلوا سكون الكون بدون صوت زقزقة العصفور، هذه الزقزقة قد لا تعمّر بلد، لكنّها تخترق السكون، وتجعل الحياة أجمل، وحياتنا ربمّا ستصبح أجمل."
ولدى توجهنا بالسؤال للفنّان مصطفى الخاني، حول ما إذا كان هذا الكلام المرسل، قابلٌ للتحقيق اليوم، وسط كل هذا الانقسام، وتعقيدات الوضع السوري؟ أجاب: "نطمح لذلك، ونأمل به، يقال إنّه ينبغي للإنسان أن تكون طموحاته كبيرة، لتأتي إنجازاته على قدر هذه الطموحات، ولا طموح يأتي بدون عمل، نحن لم نتكلم لأجل الكلام فقط، هذه خطوة، ولكن تحقيقها يحتاج عملياً إلى تكاتف جميع السوريين، طموحنا كبير، وبلدنا تستحق منا رؤيتها بعين أكثر رحمة، والنظر لبعضنا البعض كسوريين بعين أكثر حباً."
ويشار إلى أنّ أغنية "هنا لنا" تم تسجيلها في الاستوديو بإشراف المؤلف الموسيقي طاهر مامللي، وسيتم تصويرها قريباً، تمهيداً لعرضها على عدّة محطّاتٍ سوريّة، وربّما عربية أيضاً.