وراء كل أغنية حكاية تُعايش الماضي والحاضر، سطرت إيقاعاتها ميراثاً غنياً للأجيال، لتُجسّد الواقع وما يحمله من دموع وآهات وابتسامات.
نسمع أحمد رامي يناجي أم كلثوم بأكثر من 136 أغنية، أما بليغ حمدي فيستعين بنجمات الغناء كمراسلات للغرام إلى محبوبته وردة، وحسين السيد اختار أن تكون «ست الحبايب» هدية لوالدته في «يوم الأم»، وكامل الشناوي جسّد هو الآخر معاناة الألم والخيانة التي شعر بها تجاه نجاة في أغنية «لا تكذبي». كثير من قصص الحب التي لم تكتمل، وجاءت الكلمة المغناة تحمل معانيها الخالدة عبر الزمن.
ألم الخيانة
«لا تكذبي» قصة واقعية عاشها كاتبها كامل الشناوي، بعد اكتشافه علاقة حب ربطت بين نجاة الصغيرة والأديب يوسف السباعي، وقد كتب كلمات هذه الأغنية بعدما شاهدهما معاً مجسداً كل معاني الألم التي شعر بها وقتها.
كان يذرف دموعه أمام كل أصدقائه الذين كانوا يتابعون حكايته مع نجاة الصغيرة، وبعد انتهائه من كتابتها، حدثها تليفونياً وردد عليها كلمات الأغنية التي أعجبت بها كثيراً وطلبت منه أن تغنيها وأن يلحنها محمد عبد الوهاب. وقد عاش قلب الشناوي ينزف ألماً حتى وفاته، لدرجة أنه كان يزور المقابر يومياً وحينما سأله مصطفى أمين عن ذلك، أجابه بابتسامه حزينة أن يريد التعود على الأجواء الذي سيظل بها للأبد.
حيرة القلب
أكثر من 136 عملاً غنائياً كتبها الشاعر أحمد رامي ليعبر خلالها عن مدى حبه لأم كلثوم، الذي أعجب بها بمجرد سماعها، وهي تقدم إحدى أغنياته «الصب تفضحه عيونه»، لتتوالى بعدها الأعمال التي تنوعت بين الحب والخصام والهجر والغيرة والشكوى، فعندما أراد أن يعبر عن حبه لها كتب «حيرت قلبي معاك»، وعندما أراد الشكوى كتب لها «يا اللي انحرمت الحنان» على الرغم من كل هذا الحب.
إلا أنه لم يطلب منها الزواج مطُلقاً، عكس ما شاع عنهما، فقال ابن الشاعر أحمد رامي في أحد الحوارات الصحافية التي أُجريت معه، انه عندما سأل والده لماذا لم يتزوج أم كلثوم، قال له: «لو تزوجتها سيكون الزواج سبباً في اعتزالها الغناء لأنني رجل شرقي، ولن أسمح لها بالغناء، ولم أكن استطيع أن أقول فيها سهران لوحدي أناجي طيفك الساري وهي بجانبي في بيت واحد.
آخر أغنية كتبها لسومه كانت «يا مسهرني» وكان جالساً في المنزل وهي لم تسأل عنه فقال: «ما خطرتش على بالك يوم تسأل عني».
وبعد وفاتها كسر القلم وهجر الشعر والناس وجلس مريضاً بالاكتئاب النفسي لغيابها، ولم يكتب قصيدة رثاء في أم كلثوم وظل ينظر الى الخاتم الذي أعطته هدية زواجه المكتوب عليه «OK» وظل هذا الخاتم في يده أربعين عاماً.
حب لم يكتمل
لم تنته قصة حب بليغ حمدي ووردة بالطلاق، بل ظلت معشوقته حتى توفي في باريس، وقد كان يبعث بليغ برسائل مبطنة إلى حبيبته وردة خلال أغانٍ قدمتها أم كلثوم وشادية وميادة الحناوي، لدرجة أن كوكب الشرق مازحته قائلة بعد تقديمها لأغنية «بعيد عنك حياتي عذاب» «انت عملتني كوبري»، وعلى الرغم من الحب الكبير الذي جمع بينهما، لم يكتمل زواجهما أكثر من 6 سنوات وانفصلا، بسبب سهر بليغ وتعدد علاقته العاطفية.
وبعد قضيته المشهورة وهي انتحار إحدى الفتيات من شرفة منزله في ظروف غامضة، أُجبر بليغ حمدي بعدها على مغادرة مصر لمدة خمس سنوات قضاها في باريس، وكانت أسوأ سنوات عمره، حيث تدهورت حالته الصحية، وفي منفاه الإجباري، قدم آخر أغنياته كانت «بودعك» التي كتب مطلعها وأكلمها الشاعر منصور الشادي، وكانت آخر ألحانه لعشقه الوحيد وردة.
رحلة ملبدة بالغيوم
ظل حب عبد الحليم حافظ وسعاد حسني مثاراً للتساؤلات، فالقصة اختلف حولها الكثيرون، وكتب عنها بأكثر من طريقة، ولكن في مذكرات سعاد اعترفت بأنها هي المقصودة في قصيدة «قارئة الفنجان» التي كتبها نزار قباني ليترجم رحلتهما المليئة بالصعاب والملبدة بالغيوم، وقتها قام نزار بقراءة قصيدة «قارئة الفنجان» علي حليم الذي انهار وبكى بشدة خاصة من مطلع «يا ولدي قد مات شهيداً من مات فداء للمحبوب».
لكن حليم طلب تغيير سطر شعري كامل من القصيدة كان يقول: «فحبيبة قلبك يا ولدي نائمة في قصر مرصود والقصر كبير يا ولدي وكلاب تحرسه وجنود» خاف حليم من إثارة أحد رجال الدولة المصرية بعبارة «وكلاب تحرسه وجنود». ظلت كلمات الأغنية مع محمد الموجي لمدة عامين حتى أتمها في لحنه الرائع والجميل وغناها حليم في عيد ربيع 1976.
غدر الحبيب
الأطلال ليست مجرد قصيدة غنتها أم كلثوم بصوتها الشجي، وإنما هي حكاية لقلب احترق من عذاب الغدر، فما كان منه سوى أن يعبر عن هذه المعاناة بقلمه، إنه الشاعر إبراهيم ناجي الذي أحب زميلة له في الدراسة الثانوية، وعاش معها أياماً جميلة، قبل أن يكتشف خداعها وتنهار آماله، فلم يجد لنفسه عزاء إلا أن يهيم بكلمات «الأطلال».
قلبي دليلي
«أنا قلبي دليلي» تعد الشرارة التي جمعت بين ليلى مراد وأنور وجدي، بعد رقصهما على أنغام هذه الأغنية التي قدمتها ليلى بصوتها الجميل، فقد اعتبرت بمثابة زفة للعروسين، حيث أعلن أنور عن حبه إليها بعد الانتهاء من تصوير ذلك المشهد، استمر زواجهما لمدة 7 سنوات، قدما خلالها سلسلة من الأفلام الهامة.
ريتا والبندقية
ظلت هوية الفتاة اليهودية التي أحبها الشاعر الراحل محمود درويش وكتب فيها قصيدة «ريتا والبندقية، ريتا شتاء طويل» مجهولة، فلم يصرح لأحد عنها، حتى كشف عنها الفيلم الوثائقي «سجل أنا عربي»، ليستعرض عدداً من خطابات الحب التي كتبها درويش إلى حبيبته باللغة العبرية التي كان يجيدها.
إلا أن هذه القصة لم تكتب لها النجاح بسبب حساسية الطرفين، فلم يتصور درويش أن تكون حبيبته جندية تعتقل أفراد شعبه.
فيروز تناجي عاصي: «سألتك حبيبي»
أصيب عاصي الرحباني بنزيف في المخ، وتدهورت حالته بشكل أدى إلى دخوله المستشفى، بينما كانت تلعب فيروز دوراً في مسرحية «المحطة»، ولهذا كتب منصور الرحباني كلمات أغنية تعبر فيها فيروز عن حزنها لغياب عاصي لتغنيها في المسرحية، وقام زياد، الذي كان يبلغ من العمر حينها 17 عاماً، بتلحينها، ولكن بعد تماثل عاصي للشفاء غضب، لشعوره بأنهم تاجروا بمرضه، حتى أنه رفض أن تكون الأغنية ضمن أحداث المسرحية، ولكنه بعد ذلك وافق على وضعها بعد إلحاح من الجميع عليه.
وبعد وفاته حزنت عليه فيروز كثيرا وقدمت هذه الأغنية في إحدى الحفلات ولم تستطع تكملتها للنهاية، بسبب بكائها عن مقطع «ولأول مرة ما بنكون سوا»، حيث جسدت هذه الأغنية المشاعر التي كانت تجمع بينها وبين عاصي الرحباني.
حسين السيد يهدي والدته «ست الحبايب»
ذهب الشاعر حسين السيد لزيارة والدته وبعد صعوده الدور 6 تذكر أنه لم يحضر لوالدته هدية في «يوم الأم» فجلس على السلم وأخرج من جيبه قلماً وورقة وبدأ في كتابة الأغنية الخالدة «ست الحبايب»، ثم طرق باب الشقة وأسمعها كلمات الأغنية ووعدها بأن إحدى النجمات ستقدمها غداً في الإذاعة، وبالفعل اتصل بالموسيقار محمد عبد الوهاب الذي بدوره أعطى العمل لفايزة أحمد وفي صباح اليوم التالي 21 مارس ذكرى عيد الأم غناها في البداية محمد عبدالوهاب على العود فقط.
ومع نهاية اليوم كانت فايزة أحمد قد غنتها في الإذاعة بالتوزيع الموسيقي، وبذلك أوفى حسين السيد وعده لوالدته، لتصبح بعدها هذه الأغنية أيقونة للتعبير عن الامتنان والتقدير للأم، وعلى الرغم من صدور العديد من الأغنيات فيما بعد للتغني بالأم، إلا أن «ست الحبايب» تعد من أبرز الأغنيات التي قدمت للأم.البيان