أعادت تصريحات الفنان جورج وسوف الأخيرة، حول مشاركة بعض «نجوم الغناء» في لجان تحكيم برامج المواهب الشابة، الاهتمام مرة أخرى بقضية طالما أثيرت في الوسط الغنائي العربي، في ظل ازدحام المحطات الفضائية بعشرات البرامج التي تسعى إلى اجتذاب فئة الشباب وتقديم مواهبهم الفنية والغنائية الجديدة، وتقييمها من أجل طرحها على الساحة الفنية، حيث كشف وسوف في أحد لقاءاته التلفزيونية الأخيرة عن رأيه في هذه اللجان، قائلاً: «يحتاج المحكمون بدورهم إلى لجان تحكيم لتقييم أدائهم، وعلى المشاركين اليوم في هذه البرامج الانشغال بفنهم وتقديمه للجمهور بدل اختيار كراسي التحكيم وتقديم النصح للآخرين». لكن تباين الآراء حول مشاركة نجوم الغناء في برامج اكتشاف المواهب يعود إلى أسباب كثيرة، في الدرجة الأولى منها أن خبرة المغني/المشارك في هذه اللجان تكاد تنحصر في مجال الغناء فحسب، في الوقت الذي تطالب فيه «لجان تحكيم المواهب» بتوافر عدد من الشروط الفنية والخبرات المهنية المتنوعة، لكي تكون قادرة على تقييم مختلف التجارب المشاركة ضمن جملة من «المعايير والمقاييس الفنية الخالصة»، التي تنصف المشاركين، كأن تضم مجموعة من الموسيقيين والنقاد والمختصين من ذوي الخبرة في هذا المجال على الأقل، وليس مقبولاً أن تضم هذه اللجان وجوهاً فنية جديدة لا تتجاوز مسيرتها بضعة أعوام، بغض النظر عن مقاييس النجاح والنجومية والجماهيرية التي أصبحت تحققها بعض المواهب الشابة، التي تحتل كراسي التحكيم حالياً. في المقابل، يرى شق آخر أن مشاركة بعض هذه «الوجوه الفنية الجديدة» في عدد من برامج المواهب تدفعها حاجة النجوم لجماهيرية لا يستهان بها، قد يلجأ إليها البعض بحثاً عن الشهرة والانتشار في ظل تردي الأوضاع الفنية و«ضراوة المنافسة»، وعزوف الجمهور عن اقتناء الألبومات الفنية التي باتت منتشرة بشكل واسع على شبكة الإنترنت دون مقابل. نماذج لا تُحصى تطول قائمة برامج اكتشاف المواهب في العالم العربي، لدرجة أن المتابع المحايد بات مذهولاً أمام هذا المد المتزايد، الذي تصرف على إنتاجه ميزانيات خيالية تجعله يلبس في معظم الأحيان ثوباً مبهراً، يطل به علينا بالكثير من عناصر الدهشة التي لا تخلو منها الأجواء الشبابية التلقائية، ولا سحر اللوحات الراقصة التي تتخلل العرض، ولا حتى سمفونيات الضوء والديكورات المتحركة على المسرح، في حبكة إخراجية تتطور عاماً بعد عام، وبعد كل نجاح يحققه البرنامج في مختلف مواسمه «المتلاحقة»، التي تثبت المشاهد على الشاشة وتجعله يهرع لملاحقة أخبار مواهبه التي ينطفئ نجمها مباشرة بعد انطفاء أضواء المسرح الراقص. لهذا السبب نعد اليوم الكثير من البرامج التي تمكنت إلى حد ما من تحقيق النجاح والمتابعة الجماهيرية المرتقبة، خصوصاً أنها تواصل استقطاب عدد مهم من «نجوم الدراما والغناء»، مثل برنامج «إكس فاكتور» الذي انطلق موسمه الأول في 2006، بمشاركة الفنان خالد الشيخ الذي استمرت مشاركته على مدى موسمين متتاليين، قبل أن يتوقف وينتقل إلى قناة تلفزيونية أخرى بحلة جديدة عام 2013، مع حسين الجسمي ووائل كفوري وإليسا وكارول سماحة، ويصل إلى موسمه الأخير مع راغب علامة وإليسا ودنيا سمير غانم، تاركاً العديد من إشارات الاستفهام لدى الجمهور، خصوصاً بعد تولي راغب علامة رئاسة لجنة التحكيم في الموسم الأول من برنامج «Arab Idol»، إلى جانب كل من الفنانة أحلام والموزع الموسيقي حسن الشافعي، واستمراره إلى الموسم الثاني بعد انضمام نانسي عجرم إلى أعضاء اللجنة، الذي لحقه قرار مغادرة الفنان راغب علامة، إثر ما أشيع عن بعض الخلافات بينه وبين أحلام. تنقلات فنية وائل كفوري، الذي يعد بشهادة نقاد الفنان الأنجح في هذا المجال، قرر هو الآخر خوض تجربة التحكيم وتقديم آرائه الفنية، من خلال المشاركة بالموسم الثالث لبرنامج «إكس فاكتور»، والموسم الثالث لبرنامج «محبوب العرب» بدل راغب علامة، فيتفادى خلافات المواسم السابقة وحدة الصراعات القائمة بين الأعضاء. في هذا الوقت تحافظ إليسا على كرسيها في الموسمين الأخيرين، رغم العديد من الانتقادات التي حصدتها مشاركتها خصوصاً في الموسم الحالي للبرنامج، بعد متابعة الجمهور اللافتة لعلاقتها المتوترة مع الفنانة المصرية دنيا سمير غانم صاحبة التجربة الغنائية القصيرة والألبوم الواحد الذي جعلها تحجز كرسياً بين «لجنة تقييم المواهب الشابة». وعلى الرغم من حرص نانسي عجرم على عدم الدخول في هذه «المهاترات الفنية»، إلا أنها تعرضت للنقد بعد مشاركتها في الموسم الثاني من «محبوب العرب»، لكنها بدت في الموسم الثالث من البرنامج أكثر قدرة على نصح وتوجيه المشتركين. «ذا فويس» عبدالله الرويشد صاحب المشوار الفني الحافل على مدى العقود الماضية، قرر دخول هذا المجال من خلال برنامج «نجم الخليج» فشارك في مواسمه الثلاثة الأخيرة وقدم آراءه الفنية بطريقة متزنة بعيدة عن أجواء التوتر والمنافسة، في الوقت الذي شهد البرنامج على شاشة تلفزيون دبي تغير الوجوه النسائية في لجنة التحكيم، حيث شاركت ديانا حداد في موسم 2009، واعتذرت عن المشاركة في الموسم الثاني، لتحل بدلاً منها الفنانة أنغام في 2010، ويارا في 2011، فيما بقي فايز السعيد «سفيراً للألحان» في كل مواسم البرنامج قبل توقفه وانطلاق برنامج (Golden Mic/ صوت الجيل الجديد) على قناة دبي الأولى بمشاركة أولى لكل من الفنانة أسماء المنور وفارس كرم وعدد من النجوم. وفي الوقت الذي استطاع فيه برنامج «ذا فويس» المحافظة على أعضاء لجنة تحكيمه، التي ضمت كاظم الساهر وصابر الرباعي وعاصي الحلاني وشيرين، إلا أن هذه اللجنة لم تسلم من الانتقادات، رغم مشاركة الساهر صاحب التجربة الطويلة في مجال الغناء والتلحين، وفوز مشاركه في الموسم الثاني، كذلك الحال مع شيرين التي أثار أحد لقاءاتها الصحافية وحديثها عن مسلسل «العندليب» الذي هاجمت فيه بشدة المغني والممثل الشاب شادي شامل، العديد من ردود الفعل السلبية، حيث صرحت: «عبد الحليم حافظ كان سيعتزل الغناء، لو قدر له مشاهدة مسلسل العندليب»، الأمر الذي يفتح باب الاستفهامات حول مدى جدية هذه البرامج ومخرجاتها وغياب أجواء المنافسات الفنية الحقيقية فيها. مع إطلاق برنامج «صوت الحياة» لاكتشاف المواهب الجديدة، انضم الملحن حلمي بكر وكل من هاني شاكر وسميرة سعيد إلى لجنة التحكيم، لتبدأ رحلة اكتشاف الأصوات الجديدة والرهان على تقديم الأفضل، لكن النتيجة بدت للكثيرين متشابهة، مثل حال «الأكاديمية الفنية» التي أطلقها عمرو دياب في عام 2012، عبر موقع «يوتيوب» كأول مسابقة إلكترونية تم إطلاقها لاكتشاف المواهب. إلى متى في الوقت الذي تطالعنا فيه وسائل الإعلام ومواقع التواصل بأخبار تقترب من الطرائف الفنية، التي تستهين بعقل الجمهور، يتذكر جيل المطربين السابقين الصعوبات التي اعترضت طريق البدايات، وكيفية اعتمادهم في الإذاعات الرسمية التي اعتمدت لجاناً من كبار الملحنين القادرين على تقديم وجهة نظر فنية موضوعية، توالى على مسامعها فنانون مثل عبدالحليم حافظ وفايزة أحمد وهاني شاكر، وعشرات الأسماء الفنية الأخرى التي تحدت الزمان وظلت في ذاكرة ووجدان الجمهور العربي، على عكس التجمعات الفنية التي تطالعنا بها الشاشات الحافلة بالفرجة فقط.الامارات_اليوم