أثناء تصفحي لبعض المقالات لفت نظري موضوع عن دراسة روسية تتناول ظاهرة اجتاحت العالم مؤخرا وهي ظاهرة التصوير الذاتي او ما يسمى بـ(السيلفي). يشير الخبراء في المقال إلى ان سكان العالم التقطوا ما يقارب 880 مليار صورة حتى بدايه عام 2015 أغلبها (سيلفي). قد يقودنا هذا الرقم المخيف الى التساؤل عن سبب انتشار هذه الظاهرة، والسبب في توجه الناس الى المبالغة في تصوير أنفسهم؟ فأين التفت وأينما نظرت سترى ذلك المشهد المكرر لشخص يحمل هاتفه ويصور نفسه في المستشفى أو في البيت أو في الشارع أو في الحديقة أو في العمل بغض النظر عن الظرف او التوقيت أو الحالة. وما يلفت النظر أحيانا أن البعض قد يعرض نفسه للخطر مقابل إلتقاط صورة فهل هذا سلوك طبيعي أم ان له ابعادا نفسية أو انها النرجسية وحب الظهور ومحاولة تعويض نقص ما؟ الدراسات تشير إلى أن ظاهرة السيلفي قائمة على الفردية وسببها غالبا عدم الثقة بالنفس فهي تقوم على رغبة الشخص الملحة في اظهار الزاوية الاجمل لنفسه بصورة مبالغ فيها فيقوم بالتقاط عشرات الصور ونشرها، واعتبرت انها نوع من النرجسية والتعالي وحالة من فقدان السيطرة على السلوك.. وقد قسم العلماء ممارسي هذا النوع من التصوير الى 3 مستويات وحالات: 1-الخفيفة: وتتمثل في إلتقاط الصور بعدد لا يقل عن 3 مرات لنفس الزاوية دون نشرها. 2-الحـادة: والتي يقوم ممارسها بالتقاط عدد اكبر من الصور مع نشرها. 3-المزمنة: وهي التي يفقد فيها الانسان السيطرة على سلوكة فيقوم بتصوير مئات الصور يوميا مع نشرها . وقد حذر الأطباء النفسيون من عواقب إدمان هذه الظاهرة باعتبارها أحد المؤشرات الأولية لاضطرابات العقل التي تؤدي الى العديد من المشاكل النفسية، فغالبا من يبالغ في تصوير نفسه مرارا وتكرارا سيصاب مع الأيام بمرض يسمى (تشوه الجسم) وقد تزامن ظهوره مع ظهور الهواتف الذكية ويتلخص بمعاناة المريض بسبب الشعور الدائم بعدم الرضا عن مظهره الخارجي ومحاولة التقاط آلاف الصور للبحث عن الزاوية المثالية التي تظهره بشكل أجمل والشعور بالاستياء الشديد لعدم وصوله الى المظهر الذي يرضيه وهذا دليل على ضعف الشخصية وعدم الثقة بالنفس. أسئلة كثيرة شغلت الكثير من المختصين في الطب النفسي فأجروا العديد من الدراسات لفهم هذه الحالة الغريبة التي تعد حاليا أحد الأمراض الحديثة. وقد أشار بعض العلماء إلى ان المبالغة في استخدام هواتفنا تؤدي إلى الإدمان وفقدان التركيز والقلق والأرق والتي تؤدي جميعها مع مرور الوقت الى الاكتئاب، فالارتباط بالأجهزة والتحديق بالشاشة لوقت طويل والمبالغة في التصوير والإمساك بالهاتف طوال الوقت يؤدي الى زيادة افراز الكورتيزون في الدماغ والجسم ما يؤثر سلبا على صحة الانسان الجسدية والنفسية والصحية على عكس ما يروج له مخترعو الأجهزة من أنها ستجعلك اكثر اتصالا بالعالم فقد زادت عزلة الناس وبعدهم عمن حولهم بسبب إدمانهم على استخدام هواتفهم. السؤال الأهم هل جاءت هذه السلوكيات الخطرة والتي تعتبر دخيلة على ثقافتنا صدفة أم ان لها أهدافاً مدروسة ومخططاً لها من قبل مروجيها؟ يجب ان نعترف أننا جميعا نعاني من غزو ثقافي فكري منظم ووقعنا جميعا ضحية العولمة التي تهدف الى نشر معايير الثقافة الغربية وجعلها نموذجا يجب تبنيه وجعله أسلوب حياة مستغلة التطور التكنولوجي وثورة وسائل الاعلام لغزو حياتنا ومجتمعاتنا والتأثير بها سلبا عن طريق إدخال الكثير من القيم والمفاهيم والعادات الجديدة التي لا تشبهنا والتي تؤدي مع الأيام إلى تشويه هويتنا وثقافتنا العربية وتجعلنا اكثر بُعدا عن واقعنا. عمون الاردنية