قد تظن أن المذاق الحلو للفاكهة يعود إلى وجود أنواع السكر الطبيعي فيها، لكن عليك أن تعيد النظر في هذا الأمر، كما تقول الصحفية العلمية فيرونيك جرينوود. اعتدنا على الاعتقاد أن السكر هو المعيار الرئيسي للطعم الحلو. فإذا كانت البرتقالة حلوة المذاق، فسبب ذلك أن السكر الذي تحتويه قد لامس نتوءات التذوق على لسانك. ومن الإنصاف القول إن ذلك ينطبق على أنواع الفاكهة الأخرى من التوت إلى الطماطم. لكن ليندا بارتوشوك، العالمة في مجال التذوق بجامعة فلوريدا، تعتقد أنه يوجد تفسير مختلف. فقد وجدت هي وفريقها أن المواد الكيماوية المسؤولة عن الإحساس بالطعم الحلو للفاكهة هي تلك التي تشمها، وليست تلك التي تتذوقها. لكن هذه الظاهرة تختلف عن الفكرة القديمة المتمثلة في وضع أنفك على حبة الحلوى مثلا لتكتشف أنك لا تستطيع التعرف على طعمها. إن لم تفعل ذلك، حاول أن تفعله الآن، فهي طريقة رائعة لتتعرف على أن الطعم لا يحدده اللسان فقط. في البداية، كل ما تتذوقه هو الطعم الحلو، لكن إذا فتحت أنفك، فإن الإحساس بمذاق الفراولة أو أي مذاقات أخرى، سوف يغمرك. في حالة البحث الذي أجرته بارتوشوك وزملاؤها، الموضوع الذي يتحدثون عنه ليس الصبغة المعقدة للمذاق. فالأمر هنا أكثر عمقاً، فهو يتعلق بالطعم الحلو تحديداً. تقول بارتوشوك إن فكرة وجود مركبات نفاذة تنبعث من الفاكهة ويمكن ربطها بالمذاق الحلو نوقشت خلال فترة السبعينيات، لكن تأثير هذه المواد محدود جداً، والكميات الموجودة منها في الفاكهة قليلة جداً. وتضيف "أدركت أن القضية مطروحة للبحث، لكنني لا أعتقد أنها أشبعت بحثاً بالصورة المطلوبة، وقد كنت محقة في ذلك". قبل عدة سنوات، وبينما كانت مع رفاقها من الباحثين يعملون على دراسة تحاول التوصل إلى معرفة أي المركبات الكيماوية بالتحديد مسؤول عما تشعر به عندما تأكل حبة طماطم، توصلت إلى نتيجة مدهشة. فقد حلل فريق الباحثين التركيب الكيماوي لـ 152 سلالة من الطماطم، وقاموا بتسجيل مستوى الجلوكوز (سكر العنب) فيها، وكذلك الفركتوز (سكر الفاكهة)، وأحماض الفاكهة، و28 مادة طيارة أخرى. في الوقت ذاته، وخلال فترة ثلاث سنوات، قاموا بتنظيم 13 ندوة لتذوق 66 نوعاً من هذه الأنواع من الطماطم، وتصنيف كل منها طبقاً لدرجة إعجاب المتذوقين بها، ودرجة حلاوتها، ودرجة حموضتها، ومعايير أخرى للاختبار. وما زالت بارتوشوك تتذكر اللحظة التي كانت تجلس فيها في مكتبها مع هذا الكم الهائل من المعلومات ذات مساء، وقامت بإجراء تجربة بدافع الفضول، لتعرف أي المركبات ساهم بالتحديد في وجود المذاق الحلو. وكانت تتوقع أن تكون الإجابة هي السكر. لكنها تقول: "لدهشتي الشديدة، وجدت أن سبعة مركبات كيماوية طيارة هي التي تساهم في وجود المذاق الحلو، وليس السكر". غموض الطعم الحلو علاوة على ما تقدم، يبدو أن المواد الطيارة مسؤولة عن سبب ما قاله المتذوقون في تلك الندوات من أن بعض أنواع الطماطم كان مذاقها أكثر حلاوة من غيرها التي تحتوي كميات أكبر من السكر. فعلى سبيل المثال قام الباحثون باختبار نوع من الطماطم يطلق عليه "جلي بينز الصفراء"، ونوع آخر يطلق عليه اسم "ماتينا". وتحتوي طماطم "جلي بينز الصفراء" على 4.5 غرام من الجلوكوز والفركتوز في 100 ملليلتر من الفاكهة، وجاء ترتيبها في المركز الـ 13 وفق معيار استخدم لتحديد مستوى حلاوة الفاكهة. أما الطماطم من نوع "ماتينا" فتحتوي على أقل من أربعة غرامات، ولكن جاء ترتيبها في المركز الـ25. الفرق الرئيسي من ناحية الكيمياء الحيوية بين النوعين هو أن نوع ماتينا يحتوي على ضعف الكمية التي تحتوي عليها طماطم الجلي بينز الصفراء من المواد النفاذة. وعندما قام الباحثون بفصل هذه المواد النفاذة عن الطماطم وأضافوها إلى ماء محلى بالسكر زاد معدل حلاوة الماء. وقام الباحثون كذلك بإجراء تجارب على التوت البري والفراولة إضافة إلى عدد آخر من الفواكه. وتبين أن الفراولة تحتوي على كميات من السكر أقل من التوت البري، رغم أن مذاقها كان أحلى. بارتوشوك وزملاؤها يقولون إن سبب ذلك هو أن الفراولة تحتوي على عدد كبير من المواد النفاذة ، تصل إلى 30 مقارنة بالتوت البري الذي يحتوي على 3 فقط. وتوصلوا إلى أن إضافة المواد الطيارة الموجودة في الفراولة إلى ماء محلى بالسكر قد أدى إلى زيادة حلاوته أكثر مما فعلت المواد الطيارة التي تحتويها الطماطم، وأن إضافة المواد الطيارة الموجودة في كليهما إلى الماء المحلى ضاعف من حلاوته. ولا يعني ذلك أن رائحة الفراولة أو الطماطم الكرزية كانت تتصاعد من الماء. فنسبة تركيز المواد الطيارة ليست كبيرة بحيث تتصاعد وتصل إلى الأنف. (وهو أمر جيد لأن أحد هذه المواد النفاذة الموجود في الطماطم رائحته تشبه رائحة الجبن العفن). فكلما زادت كمية السكر، كان دور المواد النفاذة أقل في التسبب في المذاق الحلو. لكن تأثير المواد النفاذة على حلاوة الفاكهة يزداد كلما زاد عدد هذه المواد، حتى المواد النفاذة التي لا تتواجد بكميات كبيرة يوجد لها تأثير على وجود المذاق الحلو. ما الذي يحدث هنا؟ مازال الباحثون يدرسون كيف ولماذا يقوم الدماغ بمزج هذه المعلومات. من المعروف أن الاشارات تأتي من مستقبلات الرائحة التي تعمل المواد النفاذة على تفعيل نشاطها من مؤخرة الفم، وهي مربوطة بنفس المنطقة الدماغية المسؤولة عن تذوق الطعم، وليست مرتبطة بإشارات تأتيها من الأنف. لذا تقول بارتوشوك: "إن الدماغ، عندما يكون للمواد الطيارة تأثير على نفس الخلايا مماثل لتأثير التذوق، فإنه يقوم بدمج الرسالة التي تصله. وجزء من عملية الدمج، بين مواد نفاذة بعينها والتذوق، يؤدي إلى تحسين وتعزيز كل منهما". وبينما يواصل الباحثون دراسة أسباب هذا التأثير الغريب، بإمكاننا أن نتخيل الاحتمالات الممكنة. هل بإمكانك صناعة عصير ليمون بكمية أقل من السكر إذا أضفت إليه خليطاً من المواد النفاذة؟ ربما يحدث ذلك إذا أضفت عددا كبيرا منها، كما تقول بارتوشوك. ولدى بارتيشوك فضول حول فكرة إنتاج فاكهة شديدة الحلاوة. هل يمكن لعلماء النبات تحليل المواد النفاذة، واختيار الأنواع التي تصل بتأثيرها إلى أقصى مدى؟ لا تستبعد بارتوشوك ذلك. BBC