د. كميل موسى فرام البيئة الداخلية للأنثى وعبر تناسق وظائف الأعضاء تترجم وتفسر وتعكس صورة من التوافق الهرموني والمعدني المسؤول بالدرجة الأولى في المحافظة على وظائف الأعضاء بالشكل المثالي نتيجة الربط الصحيح بين وظائف أعضاء الجسم وتداخلاتها، فاكتمال التنسيق الوظيفي يؤسس لارتباط وثيق بين مكونات المحور والذي ينعكس بجزء من نتائجه على الشكل الخارجي للفتاة بكامل فقراتها الأنثوية بما قوة الجاذبية التي تتمتع فيها حيث تترجم مفاتن الجمال، كما ينعكس على الأداء الوظيفي بالدرجة الكاملة للعديد من الأعضاء المكونة ومنها الجهاز التناسلي بصورة مناسبة لأحداث الدورة الشهرية بالتوقيت والمواصفات، إضافة لمثالية القدرة الانجابية عندما يتطلب الأمر والظرف بذلك، ناهيك عن منعطفات صحية تترجم صورا معينة من الخلل أو الانضباط، وهذا الترابط الوظيفي المحكم يصلح كنموذج للبناء على المستوى الأكبر بظروف تتعدى حدود المسلمات التي تحكم عملنا. الإفراز الدوري لهرمونات التحفيز قبل الاسترسال لأسس المحور الهرموني فلا بد من التوضيح أن حدث الدورة الشهرية بعمر معين بحد ذاته يترجم تداخلات فسيولوجية/ تشريحية معقدة بين الأداء الوظيفي للغدة النخامية، المهاد، المبيضين، وبطانة الرحم كأساس للفعل إضافة لوظائف عضوية مساعدة من أعضاء الجسم، فالإفراز الدوري لهرمونات التحفيز من الغدة النخامية وارتباطها بهرمونات الستيرويد المنتجة من الخلايا الوظيفية للمبيضين، ستتسبب بتغيرات نسيجية وشكلية ووظيفية تتكلل بإطلاق البويضة بهدف الاخصاب، يقابلها تغيرات ببطانة الرحم لتعلن جاهزيتها إما لانغراس الضيف القادم لو قُدِّر للأمر حدوثه بظروفه أو انسلاخ البطانة ونزف بحدود المقبول بالتوقيت والكمية إعلانا لفشل المهمة الشهرية ولبدء الاستعداد لمحاولة مقبلة، على أن اذكر أن كلا منهما قد يكون سبباً أو نتيجة لخلل بالتوأم الآخر. يمكننا التحليل تمهيدا للحكم المنطقي على تآلف وتناسق العمل الوظيفي لأعضاء التحالف السابق، فالتغيرات الهرمونية المتسببة والناتجة هي محصلة لأحداث هرمونية تحدث بالتتابع الدقيق ضمن الخارطة الجينية منذ التكوين فتؤلف وحدة من التناسق بضبط عصبي لمؤشرات الدماغ، وبالتحديد في المركز الدماغي المسؤول، الذي يتمثل أساساً بالغدة النخامية التي تحتل بقسميها المنطقة المباشرة تحت المهاد بتجويف عظام الجمجمة، محاصرة بشبكة عضوية آمنة يفصلها عن مادة الدماغ نسيج واقي عازل حساس، ويغذيها شبكة من الأوعية الدموية والتي تساهم بنقل محفزات المهاد للجزء الأمامي من الغدة، التي تضم بمكوناتها خلايا متخصصة لإفراز الغدة النخامية المتعارف عليها والتي تشمل بالعموم نصف دزينة من الهرمونات ومكونها الرئيسي هو هرمون البروتين لتشكل مجموعة متكاملة من هرمونات تحفيز الاباضة؛ هرمون تحفيز الغدة الدرقية، هرمون ضبط إفراز الحليب، هرمون النمو، وهرمون ضبط إفراز الكورتيزون من خلال قشر الكظر. و يساهم الجزء الخلفي من الغدة بإفراز هرمون التحكم البولي وهرمون الانقباض للخلايا الملساء. وللمهمة الفسيولوجية بصورتها المثالية، فيجب أن تكون مساهمة الهرمونات المذكورة بالأساس بطريقة مبرمجة بتحكم ذاتي ضمن مساق الدورة الشهرية خصوصا أن الفترة الزمنية لنصف العمر تتراوح بين دقائق معدودة لساعات معدودة، ناهيك بوجود مستوى معين من هذه الهرمونات بمعادلة التغير حسب الفترة الزمنية الشهرية للدورة الشهرية أو الفترة العمرية. مشاركة الغدة النخامية بطقوس الدورة الشهرية وأحداثها تعكس بالأساس درجة الضبط الداخلي للبيئة بتناغم وتجاوب المستقبلات الهرمونية المنتشرة، فتتداخل التسميات حسب المعطيات لتجزأ الدورة بصورتها النسيجية لشقين متتالين بالتوازي مع السيادة الهرمونية، فالدورة الشهرية الإفرازية تبدأ بمجرد حدوث النزف الشهري تحت تأثير هرموني التحفيز ليؤسس على إفراز بويضة قادرة على الاتحاد مع النواة الجينية للحيوان المنوي، يقابلها بنفس الوقت إفراز هرمون الاستروجين من خلايا متخصصة تعمل على بناء بطانة الرحم وتهيئتها لاستقبال ضيف قادم بظرف مثالي إضافة لهرمون البروجيستيرون بالتكامل بنسب متواضعة بالبداية، حتى إذا وصلت البويضة لحجم معين، فيفرز هرمون التطور لإنجاز اللمسات الأخيرة على جاهزيتها بالتوافق على زيادة ضغط السائل المحتوى متسببا بتحرر المادة الجينية تمهيدا للوحدة المتوقعة، حيث يترافق ذلك مع تكون الجسم الأصفر والذي يساهم بإفراز كمية معتبرة من هرمون البروجيستيرون كأساس لتوفير البيئة النسيجية لإنغراس الجنين. لحظة محيرة ان ما يحدث ؛ لحظة تتميز بارتفاع مستوى الهرمونين التوأمين الأساسيين: الاستروجين والبروجيستيرون، فيعمل الأول على ارسال رسالة للمهاد والغدة النخامية لمنع إفراز هرمونات التحفيز بتصوره لظرف وهمي فسيولوجي، حتى إذا فشل الحمل ليضمر الجسم الأصفر ويضعف انتاجه، فيصبح مستوى الافراز للهرمونين غير مقنع لوقف الغدة النخامية عن أداء عملها، كنتيجة رد فعل عكسي فيفرز الهرمونين بالتوافق مع انسلاخ الطبقة النسيجية لبطانة الرحم وهكذا الحال منذ البلوغ حتى البداية لسنوات سن الأمل. نلاحظ أن هناك ضبط دقيق للمعادلة الهرمونيه بشقيها، يتمثل الأول بمستوى هرموني التحفيز المفرزين من الجزء الأمامي للغدة النخامية، بينما يتمثل الثاني بتوأمة هرموني الاستروجين والبروجيستيرون المنتجين من المبيضين، وكلا الشقين ضمن معادلته مسؤول بدرجة مباشرة عن مرحلة نسيجية لبطانة الرحم سواء البنائية بالفترة الأولى للدورة أو الانسلاخية بالفترة الثانية لها، واقع يفصل دقة التنسيق بين الأعضاء المسؤولة بالجسم عن هذه الجزئية الوظيفية والأساسية لاستمرارية الحياة فوق كزكبنا الأرضي الجميل. يساهم المهاد (السكرتير المنفذ للدماغ) من خلال تنفيذ وظيفته الافرازية للهرمونات بضبط محكم الأداء، خصوصا بإطلاق هرمونات استثارة الهرمونات المحفزة للمبيضين، ضمن معادلة دقيقة تحكمها معطيات الشيفرة الوراثية بالأساس بتوقيت عمري مناسب، فتلعب دورا محوريا نتيجة احتلالها لقلب المعادلة المحورية خصوصا أن موقعها التشريحي يسمح لها بدور الضابط المنظم للأداء الأنثوي، وبعيدا عن الاجتهاد أو العبث، فلو رجعنا لخطوة البدء برحلة قطار التطور والنمو والانجاب، لنجد أن شرارة الرحلة وخطوتها الأولى تبدأ من المهاد الذي يفرز بصورة حصرية هرمونات تحفيز الشطر الأمامي من الغدة النخامية فينشطه وينظم عمله بالتوازي مع مستوى الهرمونات المساعدة لتبدأ الخلايا المتخصصة بالتحرر من المثبطات وترجمة تحررها بإشارت البدء للإفراز. قبل الشروع بتوضيح مفاصل الدورة الشهرية على مستوى الرحم والمبيضين، فلا بد من الاشارة للدور الأساسي للغدة الدرقية كعضو مساند والتي تزود الجسم بهرموناتها الأساسية لضمان الديمومة لتشغيل جميع أجهزة الجسم مذكرا أن وظيفتها بالأساس تحت ضبط دقيق من هرمون الضبط المتخصص والذي يفرز من الجزء الأمامي للغدة النخامية، ليساهم هرمون الغدة الدرقية النشيط بتزويد الأعضاء بالطاقة اللازمة للأداء الوظيفي، لنخلص بالنتيجة أن الخلل الوظيفي للغدة النخامية قد يترجم بخلل معين بالدورة الشهرية، بل قد يكون التشخيص نتيجة خلل بغير مسرب للتفكير، شأنه وهرمون الكورتيزون الذي يمثل لبنة البناء الأساسي للجهاز الهرموني ضمن مساحات الوظيفة التي يؤديها أي من الهرمونات بالجسم والتي لا تسمح بالمناورة بحدود الزمن لسهولة خلخلة درجات البناء بالشكل الذي يبعد النظر للمهتمين إن لم يكن واردا بالحسبان أن ثمة احتمال لخلل غير منظور قد يكون السبب. جميع هذه الوظائف التي ذكرتها تنظم عبر انسياب هرموناتها بالدورة الدموية للوصول لمستقبلاتها الحسية المتخصصة بدون مؤشر على تأثير تشريحي مباشر، والدورة الشهرية كحدث مفصلي هي عنوان آخر للأنوثة بشكلها الوظيفي أو المظهري يحتفل به لارساله رسالة اطمئنان للفتاة والعائلة، فهذه جملة الحقائق التشريحية والفسيولوجية للمعادلة الهرمونية والانجابية عند المراة؛ والاختلال بأي من مقاطعها الأفقية أو العامودية سيعطي نتيجة واحدة تتمثل بزعزعة استقرار البيئة الداخلية بمعادلتها الهرمونية أو الأيونية والمعدنية وقلق شخصي وعائلي ظاهر وعلني أو مستتر وسري، كذلك سيشكل قائمة مرضية متعددة الصور ومترامية الأطراف حتى وإن كان في بعض منها وجود عيوب خلقية غير منظورة أو مشخصة ضمن التفحص الدقيق لمكونات الجسم وأعضاءه، سببا قاهرا للدخول بنفق الشكوى والبحث عن المساعدة الطبية، يظفر بإحراز درعه من تملك عائلة حريصة أو زوج متفهم ويستوعب الدرس وهو موضوع مقالتي في هذه الزاوية من الأسبوع القادم وللحديث بقية.