السماءُ أكثرُ نجوماً في جُميرا

الامارات 7 - باسل الرفايعة (مديــــر التحريـــر في الامارات اليوم)

أتبعُ القرى كظلِّها. أنا ظلُّها وغموسُها البسيطُ في صحنٍ صغيرٍ على مَقْطَفِ قَصَب. أبحثُ عن البئر والراعي والديوك والنايات.
أعيشُ في دبي في قريةٍ، لا صحراءَ فيها. القرى تكتبها الفوضى، بمزاجِ فنّانٍ سورياليٍّ. هنا قريةُ جُميرا المُثلّثة. هنا نظامُ التخطيط العمرانيِّ الشغوف بالشكلِ والمعنى، وبالمدينةِ أساساً، وهي تكبرُ أبعدَ من الأسمنتِ، وتنشدُ موسيقى مختلفةً في الصباحِ والليل، فالحياةُ دائماً على حافّةِ الوقت، تسقطُ فيه، أو تحضنهُ..فتعيش.
قريةُ جُميرا هندسةٌ على هيئةِ مُثلّثٍ في الرمال. ڤلَلٌ صغيرةٌ على نمطٍ معماريٍّ متوسِّطيٍّ وعربيٍّ، بحدائقَ واسعة، ومُسطَّحاتٍ خضراء. القريةُ ليست في الملامح، إنها في الكيانِ الاجتماعيِّ الجديد. عشراتُ الجنسيّاتِ، معظمهم أجانب، من الذين يمارسونَ الرياضةَ في الصباحِ والمساءِ، ويربّونَ الكلابَ. يبتسمونَ لَكَ أيها الاردنيُّ. ويدعونكَ وشأنك.
كيفَ يحدثُ ذلك. القريةُ القديمةُ عاشتني، بلونٍ واحد. بلغةٍ واحدة. النَّاسُ يعرفون تفاصيلَ عشائكَ البارحة، وأسبابَ المشاجراتِ بينَ أمِّكَ وأبيكَ. لا أسرارَ بينَ بيوت الحَجَرِ. لا خصوصية. ذَلِكَ نظامٌ مستقلٌ، تحيا فيه بتسوياتٍ وقوانين محددة.
أصحو فجراً في قرية جُميرا، آخذُ "نيمار" في تمارينَ يومية. نيمارُ كلبُ العائلة، سمّاهُ ناصرُ وفارسُ البرشلونيان، وكظمتُ غيظي أنا المدريديُّ الذي يعيشُ في جمهوريةٍ كتالونيّة، تترأسها جمانة، وتحظى بتأييدِ الجماهير. ولزيادةِ الغيظِ، فقد أوكلتْ إليَّ الرئيسةُ وحاشيتها مهمّةَ المشيِ مع نيمار. وأنا رجلٌ ينتقمُ، ودائماً أذكِّره بكريستيانو رونالدو.
أعرفُ معظمَ سكانِ الحيِّ، وكلابهم، وصرتُ أتتبَّعُ سلالاتها. لديَّ جيران من ايرلندا وأستراليا، والهند. أعرفُ امرأةً من موريشيوس. لديّ صديقاتٌ وأصدقاءُ غربيّون. أنا أحبُّ الفِرنجة. أحبُّ الحياةَ بقُربِ الذين نجوا من الأكاذيب والموت.
السماءُ أكثرُ نجوماً في جُميرا. حديقةُ الْبَيْتِ تصلحُ ملعباً صغيراً لكرة القدم. نخلةٌ وليمونةٌ وأزهارٌ وأشجارُ فيكاس. وليلٌ تنبحُ فيه الكلابُ على الهدوء. تشعُّ طفولتي في بئرخداد من بعيد، ويشعُّ الحصى، ويغني الصرّارُ غزلاً بالنملةِ، قبلَ الخريف..

نقلاً عن صفحة الكاتب على موقع "فيسبوك"



شريط الأخبار