«اللي خلّف ما مات»

إبراهيم استادي
صادف تاريخ 20 أبريل ذكرى الوفاة الـ15 للكاتب الإماراتي الكبير سالم الحتاوي، هذا الرجل الذي أهدى تاريخ الفن الإماراتي أجمل النصوص المسرحية والمسلسلات التلفزيونية، والذي رحل في عز عطاء قلمه ونجاحه وبروزه في الساحة الخليجية. كنت أراه باستمرار يجلس على مكتبه في مقر جمعية دبي للفنون الشعبية والمسرح. وعلى الرغم من كل الضوضاء التي تحصل حوله، كانت لديه مقدرة على الانفصال ذهنياً للكتابة، فترى شخصاً هادئاً سارحاً في عالمه وخياله الواسع. ومن وجهة نظري، فأنا أفسّر حبه للجلوس في وسط أعضاء الجمعية للعمل، بالمحبة الكبيرة غير العادية التي كان يُكنّها لأصدقائه، فكانت منطقة الحب هذه هي أرضه الخصبة التي أثمرت إبداعاً، وما الفن والكتابة إلا أفعال حب. قبل وفاته بأسابيع قال لي (وكان آخر حوار بيني وبينه)، إنني مكسب للفرقة التي ننتمي إليها، فقد كنت في بداياتي الفنية والمهنية، وليس بأمر عادي أن يُعطيك شخص ذو خبرة شهادة كهذه، وأنت في طليعة عملك، وتحديداً في الفن، ولم أكن أستحقها بقدر ما كان هو إنساناً خالياً من العقد والعنجهية، ويحب أن يرى الشباب حوله ينجحون بقلب صافٍ ونية نقية.

عندما تقرأ أي نص لسالم الحتاوي، تستطيع أن تميزه من لغته ومفرداته، وعندما تقرأ أعماله التي تحمل حوارات شاعرية، فإن الكلمة تسكن في قلبك بسهولة. وما يميز أي قلم هو أصالته وانتماؤه إلى بيئته الحقيقية، وهكذا كانت أعماله، لا تشبه أي عمل آخر في التركيبة والبناء ولغة الحوار. والعجيب أن ذلك يتناقض تماماً مع خلفيته الهندسية، فقد كان - رحمه الله - يعمل في وظيفة تقنية للغاية تخص البث والإرسال، ولك أن تتخيل كيف تكون عقلية المهندسين من ناحية الأرقام والترددات التي يتعاملون معها يومياً ويتصورونها في أذهانهم، وهذه قدرات استثنائية كان يتمتع بها الكاتب.

لقد ترك سالم الحتاوي وراءه إرثاً يخلّد فكره وإبداعه، وله ابن اسمه «علي» هو أشهر أبنائه بحكم أنه في رابطة مشجعي نادي الوصل الرياضي، ويتمتع بشعبية واسعة في المجتمع وفي الوسط الفني والإعلامي، ويحمل ملامح والده، وكان من الشباب الذين يُعتمد عليهم بشكل كبير في إنشاد العازي العسكري، عندما دخل الخدمة الوطنية، لما يمتلكه من موهبة صوتية كبيرة. فعلاً «يا الحتاوي» قد خلّفت عملاً وذرية يشرّفونك ويشرّفون اسمك.. و«اللي خلّف ما مات».