الامارات 7 - - د. حسن مدن
تمنى أحد الباحثين العرب لو أن لدينا «بلزاك عربي»؛ ليروي لنا تقلبات المصائر الفردية، التي عصفت بها دوامة القرن التاسع عشر في منطقتنا العربية حين انهار التسلسل الهرمي الاجتماعي المعقد بعد أن «تأوربت» بنى الامبراطورية العثمانية، التي كانت مهيمنة على المشرق العربي، على نحو ما فعل بلزاك في رصده لتحولات فرنسا بعد أن اشتدّ عود البرجوازية الناشئة، وتفككت البنى الإقطاعية التقليدية لصالح علاقات الإنتاج الجديدة.
يقرُّ كارل ماركس بأنه في نطاق اشتغاله على مؤلفاته الشهيرة وفي مقدمتها «رأس المال» استفاد من روايات بلزاك في رصد تلك التحولات أكثر مما استفاد من الدراسات الاقتصادية والسياسية المتاحة حول الموضوع، وهو لم يخف إعجابه بموهبة وعمق بلزاك، رغم اختلافه مع موقفه المحافظ المنافح عن الملكية.
الباحث العربي الذي استخسر عدم وجود «بلزاك عربي»، يرى، رغم ذلك، أن الرواية العربية التي ازدهرت في مصر وسوريا ولبنان في القرن العشرين تقدم لنا من المعلومات حول التحولات المشار إليها أكثر بكثير مما تقدمه الأبحاث العلمية حول علم الكلام الإسلامي، أو الخطاب الأيديولوجي المعادي للإمبريالية للنخب القومية واليسارية أو أدبيات «الإخوان المسلمين» التكراري والفاقد للنكهة الشخصية.
وهذا صحيح، فلكي نفهم تحولات مصر في قرنها العشرين بصورة عميقة علينا أن نقرأ مجمل أعمال نجيب محفوظ، وثلاثيته خاصة، وسواه من الروائيين والقاصين المصريين المهمين من مجاليه أو من تلوه في الكتابة. ولكي نعرف التحولات في سوريا في الفترة نفسها علينا أن نعود إلى روايات حنا مينه، خاصة تلك التي كتبها في السبعينات والثمانينات، وأيضاً إلى أعمال سواه من أدباء سوريا الكبار. ولكي نعرف تحولات مدينة مثل بغداد علينا أن نقرأ «النخلة والجيران» لغائب طعمة فرمان، وأعمال سواه من أدباء العراق الذين رصدوا تحولات بلادهم الاجتماعية والسياسية وهزاتها العنيفة.
كما فعل تشيخوف في مسرحيته «بستان الكرز» حين وصف مرارة العجوز التي وجدت نفسها مكرهة على مغادرة البستان، الذي بيع بسعر بدا مغرياً حينها، لتزال عن أرضه أشجار الكرز التي شاركتها الحياة، وليقام فوقها مشروع يدر ذهباً للمُلاك الجدد، فإن عبدالرحمن منيف رصد في «الأشجار واغتيال مرزوق» ما أصاب الفلاح الذي فقد صوابه وهو يرى أشجار قريته تتهاوى أرضاً، وهي تزال ليزرع محلها القطن.
في «مدن الملح» سيذهب منيف أبعد، وهو يُسجل ما سيحدثه النفط من انقلاب كبير في حياة البدو، الذين غادروا خيامهم في عمق الصحراء، ليلتحقوا بالمهنة الجديدة في استخراج وتكرير النفط، مظهراً ببراعة مقدار الدهشة التي انتابتهم وهم يرون البحر لأول مرة في حياتهم، بما يكتنفه من غموض ورهبة.
madanbahrain@gmail.com
الخليج
تمنى أحد الباحثين العرب لو أن لدينا «بلزاك عربي»؛ ليروي لنا تقلبات المصائر الفردية، التي عصفت بها دوامة القرن التاسع عشر في منطقتنا العربية حين انهار التسلسل الهرمي الاجتماعي المعقد بعد أن «تأوربت» بنى الامبراطورية العثمانية، التي كانت مهيمنة على المشرق العربي، على نحو ما فعل بلزاك في رصده لتحولات فرنسا بعد أن اشتدّ عود البرجوازية الناشئة، وتفككت البنى الإقطاعية التقليدية لصالح علاقات الإنتاج الجديدة.
يقرُّ كارل ماركس بأنه في نطاق اشتغاله على مؤلفاته الشهيرة وفي مقدمتها «رأس المال» استفاد من روايات بلزاك في رصد تلك التحولات أكثر مما استفاد من الدراسات الاقتصادية والسياسية المتاحة حول الموضوع، وهو لم يخف إعجابه بموهبة وعمق بلزاك، رغم اختلافه مع موقفه المحافظ المنافح عن الملكية.
الباحث العربي الذي استخسر عدم وجود «بلزاك عربي»، يرى، رغم ذلك، أن الرواية العربية التي ازدهرت في مصر وسوريا ولبنان في القرن العشرين تقدم لنا من المعلومات حول التحولات المشار إليها أكثر بكثير مما تقدمه الأبحاث العلمية حول علم الكلام الإسلامي، أو الخطاب الأيديولوجي المعادي للإمبريالية للنخب القومية واليسارية أو أدبيات «الإخوان المسلمين» التكراري والفاقد للنكهة الشخصية.
وهذا صحيح، فلكي نفهم تحولات مصر في قرنها العشرين بصورة عميقة علينا أن نقرأ مجمل أعمال نجيب محفوظ، وثلاثيته خاصة، وسواه من الروائيين والقاصين المصريين المهمين من مجاليه أو من تلوه في الكتابة. ولكي نعرف التحولات في سوريا في الفترة نفسها علينا أن نعود إلى روايات حنا مينه، خاصة تلك التي كتبها في السبعينات والثمانينات، وأيضاً إلى أعمال سواه من أدباء سوريا الكبار. ولكي نعرف تحولات مدينة مثل بغداد علينا أن نقرأ «النخلة والجيران» لغائب طعمة فرمان، وأعمال سواه من أدباء العراق الذين رصدوا تحولات بلادهم الاجتماعية والسياسية وهزاتها العنيفة.
كما فعل تشيخوف في مسرحيته «بستان الكرز» حين وصف مرارة العجوز التي وجدت نفسها مكرهة على مغادرة البستان، الذي بيع بسعر بدا مغرياً حينها، لتزال عن أرضه أشجار الكرز التي شاركتها الحياة، وليقام فوقها مشروع يدر ذهباً للمُلاك الجدد، فإن عبدالرحمن منيف رصد في «الأشجار واغتيال مرزوق» ما أصاب الفلاح الذي فقد صوابه وهو يرى أشجار قريته تتهاوى أرضاً، وهي تزال ليزرع محلها القطن.
في «مدن الملح» سيذهب منيف أبعد، وهو يُسجل ما سيحدثه النفط من انقلاب كبير في حياة البدو، الذين غادروا خيامهم في عمق الصحراء، ليلتحقوا بالمهنة الجديدة في استخراج وتكرير النفط، مظهراً ببراعة مقدار الدهشة التي انتابتهم وهم يرون البحر لأول مرة في حياتهم، بما يكتنفه من غموض ورهبة.
madanbahrain@gmail.com
الخليج