الامارات 7 - راشد صالح العريمي: كاتب إماراتي
من الأمور المسلّم بها والمتفق عليها أن الثقافة من بين أهم الأسلحة القادرة على تحجيم خطر الإرهاب، وتقليل الخسائر الهائلة التي تلحق بالدول العربية والإسلامية مع الانتشار الوبائي للأفكار المتشددة التي تلاقي بيئة اجتماعية واقتصادية وسياسية توفر حاضنة اجتماعية لنموها وتجذرها، وتمضي نحو إثمارها المحتوم المتمثل في جماعات تعتنق العنف منهجاً وطريقاً، وتسبغ على نزعاتها الدموية وعلى كراهيتها لمجتمعاتها وللعالم قداسة مطلقة. وهذه الجماعات تتجه في طريق جهنمي، ذي اتجاه واحد، نحو مزيد من العنف والوحشية، بحيث تصبح كل نسخة جديدة من الجماعات الإرهابية أكثر وحشية وعنفاً، وأوغل في القطيعة مع كل ما يمت إلى الإنسانية بصلة، وأوسع في تعريف الفئات التي تستهدفها بإرهابها.
الإرهاب، قبل كل شيء، فكرة. الفكرة هي البداية، ثم تتطور من بعدُ إلى فعل. ومجابهة الفكرة بالفكرة هي الحل المبكر والناجع، لكن الأفكار لا تحيا في فراغ، والانحياز إلى إحدى الفكرتين مرهون بطبيعة الفرد وقدراته بالطبع، غير أنه مرهون أكثر بالوسط الحضاري والاجتماعي والفكري الذي يرجح ميلاً عاماً إلى إحدى الفكرتين من دون الأخرى. والثقافة من حيث هي توسيع لقدرة الإنسان على الرؤية والفهم والحكم، ومن حيث إتاحتها بالضرورة فرصاً لرؤية جدل الأفكار والحضارات والموروثات الإنسانية القائمة بطبيعتها على تنوع هائل وصحي، وكذلك لرؤية الذات والثقافة العربية والإسلامية التي تتنوع مصادرها وروافدها وأوجهها تنوعاً فريداً، وتستمد ثراءها من الاتساع الجغرافي والعرقي واللغوي والتعددية التي صنعت منظومة حضارية تبدو مؤتلفة ومتسقة في الوقت ذاته الذي تحتفظ فيه بسمات خاصة لعدد لا ينتهي من المكونات التي تقاربت وتداخلت وانسجمت عبر التاريخ.
إن تنمية القدرة على رؤية الذات ورؤية العالم من خلال مفهوم التنوع، هي الأساس الذي يجب أن يقوم عليه أي جهد ثقافي. وهذا ما يساعد في بناء مناعة قوية ضد الإرهاب الذي يتغذى من خلال إطار ديني زائف قائم على أحادية الفكر، والخضوع لأوهام التفوق الأخلاقي والقيمي وامتلاك الحقيقة المطلقة، وكراهية العالم كرد فعل على الشعور بالهزيمة الحضارية، والرغبة في الانتقام وتدمير الآخر حتى لو كان ذلك يعني تدمير الذات.
التشخيص يصبح فاقد القيمة تماماً، إذ لم يتم تنزيله على أرض الواقع، في صورة برامج وخطط عمل وأنشطة وفعاليات قادرة على تحقيق أهدافها، ولا أعتقد أنني أبالغ إذا قلت إن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية نجحت في تقديم تجربة حقيقية هي الأهم عربياً في تحويل الثقافة إلى سلاح لمواجهة الإرهاب ونزع فتيل التطرف، وأن الآثار الإيجابية لهذه التجربة تتجاوز بكثير حيزها الجغرافي الخليجي لتظلّل مناطق أوسع من العالم العربي بحكم قابلية الأفكار للانتقال والتأثير، لا سيما مع ثورة الاتصال والتواصل وانفتاح المجال الثقافي والفكري في شكل خاص أمام الشعوب العربية جميعها.
العواصم الخليجية جميعها تتألق اليوم بالثقافة التي تحقق جناحي المعادلة: معرفة الذات ومعرفة الآخر، ففي فبراير الماضي كانت المملكة العربية السعودية تزدان بآلاف من زوارها من كل أنحاء العالم، في الدورة الـ31 لـ«المهرجان الوطني للثقافة والتراث» الذي عرف باسم «الجنادرية»، وأصبح عرساً ثقافياً إقليمياً وعالمياً. والمهرجان هو حفر في التراث الأصيل والمتنوع للمملكة العربية السعودية، ينقب عن المصادر التي كونت شخصية المنطقة وأهلها، ويكشف كل عام عن جانب من ثرائها. وكان ضيف الشرف هذا العام هو مصر، بكل ثقلها التاريخي والحضاري. وكان لافتاً في التعريف الذي كتب عن مصر في المهرجان، أنه توقف باعتزاز عند تاريخ مصر، بدءاً من العصر الفرعوني، ودخول المسيحية ثم الإسلام، وما خلفه ذلك من ثراء وتنوع.
اكتشاف الذات، واكتشاف الآخر العربي، الذي يعني أيضاً اكتشاف جزء من روافد الذات، هو الأفق الذي يحكم «الجنادرية». وينطبق هذا النوع من الحوار على الأنشطة الثقافية التي لا تخلو منها عاصمة خليجية، ففي الإمارات تحل الصين ضيف شرف على معرض أبو ظبي للكتاب هذا الأسبوع، بثقافتها وحضارتها وحضورها العالمي الواسع، وفي قطر تمتد على مدى عام كامل فعاليات «عام الثقافة القطري- الألماني 2017»، الذي استهل أعماله في كانون الثاني (يناير) الماضي بحفلة موسيقية لأوركسترا قطر الفلهارمونية التي يقودها موسيقي ألماني بارز. وبذلك تجمع عاصمتان خليجيتان بين شرق العالم وغربه وتتيح لجمهور واسع من المهتمين خوض جدل الذات والآخر، وحوارهما الذي يفتح آفاق التأمل والمعرفة من باب تكامل المعرفة وتعدد المقاربات والرؤى الإنسانية.
في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) الماضي كانت الكويت تفتتح صرحاً ثقافياً هو «مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي»، لتحتضن ليالي الكويت المشبعة بالثقافة منذ عقود فعاليات للشعر والموسيقى والمسرح ومعارض الفنون المحلية والعالمية. وقبلها بشهرين تماماً، في 13 أغسطس الماضي كانت «أوبرا دبي» تستهل عملها باحتفال أسطوري. وكلا الصرحين يمثل تحفة معمارية تعكس فهماً للتنوع الثقافي وبحثاً عن مكونات الذات الخليجية/ العربية/ الإسلامية، إذ استلهم مركز الشيخ جابر التراث المعماري الإسلامي بثرائه الفني المذهل، فيما رست أوبرا دبي على شاطئ المدينة متخذة هيئة قارب شراعي ضخم كان الآباء يجوبون العالم على متنه في ملحمة محفورة في القلوب، وهذا المبنى ممهور بتوقيع العراقية الراحلة زهاء حديد، ليكون كل مبنى بذاته رسالة ثقافة وحوار مع أحد مكونات الذات وهي تخاطب العالم وتستدعي إبداعاته وجمالياته.
ومنذ أيام كانت أبو ظبي تحتضن فعاليات قمة القيادات الثقافية العالمية 2017، التي جمعت نخبة من المثقفين والمبدعين من مختلف دول العالم، وناقشت دور الثقافة في مواجهة التحديات العالمية الراهنة، وأثر التقنيات الحديثة في تغيير المشهد الثقافي.
الجوائز الثقافية الكبرى واحدة من الآليات التي طورتها دول الخليج لتحريك المحيط الثقافي العربي وإثرائه. وجوائز الثقافة الخليجية أدركت منذ البداية أنها يجب أن تكون عابرة للحدود، فهي في معظمها عربية أو عالمية، يحصل عليها كل من يخدم رسالة ثقافية سامية، في أفق يكشف رحابة النظرة. ويمكن النظر إلى سجل جائزة الملك فيصل العالمية أو جائزة الملك عبدالله للترجمة، بفروعهما المختلفة. كذلك يمكن التوقف أمام جائزة الشيخ زايد للكتاب، وجائزة كتارا للرواية وجائزة البوكر في أبو ظبي، لرصد الحراك الفكري والثقافي الذي أحدثته هذه الجوائز في العالم العربي، وفي الأوساط الثقافية والعلمية العالمية، وإدراك ما ترتب عليها من وضع الأسس لحالة ثقافية في وقت تراجعت الثقافة في كثير من مراكزها السابقة.
يمكن كذلك أن نتوقف عند آلاف العناوين الصادرة عن عواصم الخليج العربي، بدءاً من العناوين الرصينة لـ «عالم المعرفة» التي امتدت أضواؤها من الخليج إلى العالم العربي، أو جهود مثل ترجمات مشروع كلمة الإماراتي، أو المجلات الثقافية والمهرجانات السينمائية والحيز الواسع الذي تحتله الثقافة في الصحافة والإعلام. والمقال أضيق من أن يحيط بأوجه الازدهار الثقافي الخليجي، وهو بحاجة إلى دراسات مختصة لرصده وبيان أثره، لكنه من دون شك هو الأبرز والأقوى والأكثر قدرة على النفاذ إلى النخب وإلى الجمهور في مشرق العالم العربي ومغربه. واعتادت عواصم الخليج أن يلتقي على أرضها كل عام آلاف الكتاب والمثقفين والمبدعين من كل أقطار العالم العربي، ليتاح لهم تفاعل خلاق لم يكن ليظهر إلى الوجود لولا هذه العناية بالثقافة وفهم دورها في بناء الإنسان ومواجهة الأفكار الظلامية التي تعصف بنا.
إن الندوات الفكرية والحوارات والنقاشات التي تكشف عن تهافت منظومات الفكر الإرهابي أمر مهم لا تخلو منه عاصمة خليجية، لأنها تواجه التحدي الآني المحدق، لكن ما لا يقل أهمية عن ذلك هو أداء رسالة الثقافة والفكر في خلق مجتمع منيع ضد تسرب أفكار التطرف والتشدد والإرهاب، ومحصن ضد الكراهية وضد الرغبة في تدمير الذات والعالم، وهذه هي المسؤولية التي تحتل فيها دول الخليج موقع الصدارة عربياً وإسلامياً، وتؤديها بكفاءة واقتدار.
عن “الحياة”
من الأمور المسلّم بها والمتفق عليها أن الثقافة من بين أهم الأسلحة القادرة على تحجيم خطر الإرهاب، وتقليل الخسائر الهائلة التي تلحق بالدول العربية والإسلامية مع الانتشار الوبائي للأفكار المتشددة التي تلاقي بيئة اجتماعية واقتصادية وسياسية توفر حاضنة اجتماعية لنموها وتجذرها، وتمضي نحو إثمارها المحتوم المتمثل في جماعات تعتنق العنف منهجاً وطريقاً، وتسبغ على نزعاتها الدموية وعلى كراهيتها لمجتمعاتها وللعالم قداسة مطلقة. وهذه الجماعات تتجه في طريق جهنمي، ذي اتجاه واحد، نحو مزيد من العنف والوحشية، بحيث تصبح كل نسخة جديدة من الجماعات الإرهابية أكثر وحشية وعنفاً، وأوغل في القطيعة مع كل ما يمت إلى الإنسانية بصلة، وأوسع في تعريف الفئات التي تستهدفها بإرهابها.
الإرهاب، قبل كل شيء، فكرة. الفكرة هي البداية، ثم تتطور من بعدُ إلى فعل. ومجابهة الفكرة بالفكرة هي الحل المبكر والناجع، لكن الأفكار لا تحيا في فراغ، والانحياز إلى إحدى الفكرتين مرهون بطبيعة الفرد وقدراته بالطبع، غير أنه مرهون أكثر بالوسط الحضاري والاجتماعي والفكري الذي يرجح ميلاً عاماً إلى إحدى الفكرتين من دون الأخرى. والثقافة من حيث هي توسيع لقدرة الإنسان على الرؤية والفهم والحكم، ومن حيث إتاحتها بالضرورة فرصاً لرؤية جدل الأفكار والحضارات والموروثات الإنسانية القائمة بطبيعتها على تنوع هائل وصحي، وكذلك لرؤية الذات والثقافة العربية والإسلامية التي تتنوع مصادرها وروافدها وأوجهها تنوعاً فريداً، وتستمد ثراءها من الاتساع الجغرافي والعرقي واللغوي والتعددية التي صنعت منظومة حضارية تبدو مؤتلفة ومتسقة في الوقت ذاته الذي تحتفظ فيه بسمات خاصة لعدد لا ينتهي من المكونات التي تقاربت وتداخلت وانسجمت عبر التاريخ.
إن تنمية القدرة على رؤية الذات ورؤية العالم من خلال مفهوم التنوع، هي الأساس الذي يجب أن يقوم عليه أي جهد ثقافي. وهذا ما يساعد في بناء مناعة قوية ضد الإرهاب الذي يتغذى من خلال إطار ديني زائف قائم على أحادية الفكر، والخضوع لأوهام التفوق الأخلاقي والقيمي وامتلاك الحقيقة المطلقة، وكراهية العالم كرد فعل على الشعور بالهزيمة الحضارية، والرغبة في الانتقام وتدمير الآخر حتى لو كان ذلك يعني تدمير الذات.
التشخيص يصبح فاقد القيمة تماماً، إذ لم يتم تنزيله على أرض الواقع، في صورة برامج وخطط عمل وأنشطة وفعاليات قادرة على تحقيق أهدافها، ولا أعتقد أنني أبالغ إذا قلت إن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية نجحت في تقديم تجربة حقيقية هي الأهم عربياً في تحويل الثقافة إلى سلاح لمواجهة الإرهاب ونزع فتيل التطرف، وأن الآثار الإيجابية لهذه التجربة تتجاوز بكثير حيزها الجغرافي الخليجي لتظلّل مناطق أوسع من العالم العربي بحكم قابلية الأفكار للانتقال والتأثير، لا سيما مع ثورة الاتصال والتواصل وانفتاح المجال الثقافي والفكري في شكل خاص أمام الشعوب العربية جميعها.
العواصم الخليجية جميعها تتألق اليوم بالثقافة التي تحقق جناحي المعادلة: معرفة الذات ومعرفة الآخر، ففي فبراير الماضي كانت المملكة العربية السعودية تزدان بآلاف من زوارها من كل أنحاء العالم، في الدورة الـ31 لـ«المهرجان الوطني للثقافة والتراث» الذي عرف باسم «الجنادرية»، وأصبح عرساً ثقافياً إقليمياً وعالمياً. والمهرجان هو حفر في التراث الأصيل والمتنوع للمملكة العربية السعودية، ينقب عن المصادر التي كونت شخصية المنطقة وأهلها، ويكشف كل عام عن جانب من ثرائها. وكان ضيف الشرف هذا العام هو مصر، بكل ثقلها التاريخي والحضاري. وكان لافتاً في التعريف الذي كتب عن مصر في المهرجان، أنه توقف باعتزاز عند تاريخ مصر، بدءاً من العصر الفرعوني، ودخول المسيحية ثم الإسلام، وما خلفه ذلك من ثراء وتنوع.
اكتشاف الذات، واكتشاف الآخر العربي، الذي يعني أيضاً اكتشاف جزء من روافد الذات، هو الأفق الذي يحكم «الجنادرية». وينطبق هذا النوع من الحوار على الأنشطة الثقافية التي لا تخلو منها عاصمة خليجية، ففي الإمارات تحل الصين ضيف شرف على معرض أبو ظبي للكتاب هذا الأسبوع، بثقافتها وحضارتها وحضورها العالمي الواسع، وفي قطر تمتد على مدى عام كامل فعاليات «عام الثقافة القطري- الألماني 2017»، الذي استهل أعماله في كانون الثاني (يناير) الماضي بحفلة موسيقية لأوركسترا قطر الفلهارمونية التي يقودها موسيقي ألماني بارز. وبذلك تجمع عاصمتان خليجيتان بين شرق العالم وغربه وتتيح لجمهور واسع من المهتمين خوض جدل الذات والآخر، وحوارهما الذي يفتح آفاق التأمل والمعرفة من باب تكامل المعرفة وتعدد المقاربات والرؤى الإنسانية.
في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) الماضي كانت الكويت تفتتح صرحاً ثقافياً هو «مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي»، لتحتضن ليالي الكويت المشبعة بالثقافة منذ عقود فعاليات للشعر والموسيقى والمسرح ومعارض الفنون المحلية والعالمية. وقبلها بشهرين تماماً، في 13 أغسطس الماضي كانت «أوبرا دبي» تستهل عملها باحتفال أسطوري. وكلا الصرحين يمثل تحفة معمارية تعكس فهماً للتنوع الثقافي وبحثاً عن مكونات الذات الخليجية/ العربية/ الإسلامية، إذ استلهم مركز الشيخ جابر التراث المعماري الإسلامي بثرائه الفني المذهل، فيما رست أوبرا دبي على شاطئ المدينة متخذة هيئة قارب شراعي ضخم كان الآباء يجوبون العالم على متنه في ملحمة محفورة في القلوب، وهذا المبنى ممهور بتوقيع العراقية الراحلة زهاء حديد، ليكون كل مبنى بذاته رسالة ثقافة وحوار مع أحد مكونات الذات وهي تخاطب العالم وتستدعي إبداعاته وجمالياته.
ومنذ أيام كانت أبو ظبي تحتضن فعاليات قمة القيادات الثقافية العالمية 2017، التي جمعت نخبة من المثقفين والمبدعين من مختلف دول العالم، وناقشت دور الثقافة في مواجهة التحديات العالمية الراهنة، وأثر التقنيات الحديثة في تغيير المشهد الثقافي.
الجوائز الثقافية الكبرى واحدة من الآليات التي طورتها دول الخليج لتحريك المحيط الثقافي العربي وإثرائه. وجوائز الثقافة الخليجية أدركت منذ البداية أنها يجب أن تكون عابرة للحدود، فهي في معظمها عربية أو عالمية، يحصل عليها كل من يخدم رسالة ثقافية سامية، في أفق يكشف رحابة النظرة. ويمكن النظر إلى سجل جائزة الملك فيصل العالمية أو جائزة الملك عبدالله للترجمة، بفروعهما المختلفة. كذلك يمكن التوقف أمام جائزة الشيخ زايد للكتاب، وجائزة كتارا للرواية وجائزة البوكر في أبو ظبي، لرصد الحراك الفكري والثقافي الذي أحدثته هذه الجوائز في العالم العربي، وفي الأوساط الثقافية والعلمية العالمية، وإدراك ما ترتب عليها من وضع الأسس لحالة ثقافية في وقت تراجعت الثقافة في كثير من مراكزها السابقة.
يمكن كذلك أن نتوقف عند آلاف العناوين الصادرة عن عواصم الخليج العربي، بدءاً من العناوين الرصينة لـ «عالم المعرفة» التي امتدت أضواؤها من الخليج إلى العالم العربي، أو جهود مثل ترجمات مشروع كلمة الإماراتي، أو المجلات الثقافية والمهرجانات السينمائية والحيز الواسع الذي تحتله الثقافة في الصحافة والإعلام. والمقال أضيق من أن يحيط بأوجه الازدهار الثقافي الخليجي، وهو بحاجة إلى دراسات مختصة لرصده وبيان أثره، لكنه من دون شك هو الأبرز والأقوى والأكثر قدرة على النفاذ إلى النخب وإلى الجمهور في مشرق العالم العربي ومغربه. واعتادت عواصم الخليج أن يلتقي على أرضها كل عام آلاف الكتاب والمثقفين والمبدعين من كل أقطار العالم العربي، ليتاح لهم تفاعل خلاق لم يكن ليظهر إلى الوجود لولا هذه العناية بالثقافة وفهم دورها في بناء الإنسان ومواجهة الأفكار الظلامية التي تعصف بنا.
إن الندوات الفكرية والحوارات والنقاشات التي تكشف عن تهافت منظومات الفكر الإرهابي أمر مهم لا تخلو منه عاصمة خليجية، لأنها تواجه التحدي الآني المحدق، لكن ما لا يقل أهمية عن ذلك هو أداء رسالة الثقافة والفكر في خلق مجتمع منيع ضد تسرب أفكار التطرف والتشدد والإرهاب، ومحصن ضد الكراهية وضد الرغبة في تدمير الذات والعالم، وهذه هي المسؤولية التي تحتل فيها دول الخليج موقع الصدارة عربياً وإسلامياً، وتؤديها بكفاءة واقتدار.
عن “الحياة”