زيارة محمد بن زايد للهند ونشر قيم التسامح

الامارات 7 -

علي سيف النعيمي

بكل تأكيد كان أسبوعنا مليئاً بالفخر، وقد غدت أعناقنا أطول، ونحن نشاهد كيف لأمة تقف على بعد خطوتين من أن تكون الأمة الأعظم سكانياً في العالم، وهم يستقبلون الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بمحبة وترحاب وفخر، كضيف شرف لأعياد الجمهورية في الهند. ولكني بين التعليقات الكثيرة، سمعت صوتاً يقول هل قصّرت صحافتنا في تغطية الزيارة أم لا؟
تناول دور الإعلام وكتاب المقالات، من الظواهر الإيجابية لأنه يخلق حالة نقدية داخل المنظومة الإعلامية، ويوجهها، بشرط أن تكون النيّة فيه تقصد تحقيق هذه الجوانب لتحقيق ما هو الأفضل والأكمل. وقد طالعت نقداً تقدم به أحد الفضلاء، متحدثاً عن مقارنة بين تغطية الصحف الهندية التي كانت بالإضافة للفرح بزيارة الشيخ محمد بن زايد الذي وصفته عن حق بـ "بطل الإمارات" و"المثقف الحكيم"، إلا أنها تناولت الجوانب الاقتصادية للزيارة والاتفاقيات وتأثيرها. وأنا أود أن أناقش هذا الطرح. وهنا لا أدافع عن إعلامنا وكتابنا فقط لأنهم كتابنا، ولكن لضبط زاوية النظر.
من المعلوم أن كل جهة تنظر إلى الخبر من المنظور الذي يهمها، والاتجاه الذي يلهم قراءها، ويشبع حاجتهم الخبرية، فمن ناحية إعلامية كانت الأهمية القصوى لتناول الخبر، نبع من المعنى الأخلاقي له، والبعد القيمي الذي يظلله، فالمعنى الكبير للتعاون الاقتصادي جرت تغطيته بشكل معتبر في مساحاته المعروفة، ولكن البعد القيمي الأخلاقي لجذور العلاقة التاريخية المشتركة بين الشعبين، والإيمان المشترك بقيم يحتاجها العالم. 

حينما زار توماس فريدمان الهند قبل سنوات، وكتب كتابه الشهير العالم المسطح، كان مذهولاً بالنموذج الاقتصادي والتطوّر التكنولوجي الهائل الذي تحققه الهند آنذاك، ولكنه حينما جاء قبل أشهر، قال إن ما يأخذ بعقله طوال هذه الفترة هو قدرة هذا المزيج المختلف من الشعوب والأعراق الانفتاح على قيمة المواطنة والدفع نحو حياة واسعة تضم جميع الأطياف. واليوم حينما تذهب شخصية بقامة محمد بن زايد إلى الهند لمشاركة شعبها في الاحتفال بيوم وطني، فإن أضلاع الإلهام تكتمل، فتصبح القصة الرئيسة هنا، كيف تكون مبادئ التسامح والتطور الاقتصادي عنصراً أصيلاً في قصة نجاح النسيج الاجتماعي. 
لذلك حينما تأتي صحافتنا المحلية لتناول أوجه هذه الزيارة، فإنّها تنقل المشترك القيمي المتمثل في فهم فكرة التجانس، وما يقدم للبشرية من ثراء حقاً، ورسالة كالجوهرة، يجب أن تدرس في المدارس، وتوزع على البيوت "أنّ الناس يجب ان يعيشوا معاً، وذلك ممكن حقًا" وهو لا يتحقق إلا حينما يرفعون كلهم باختلاف لغاتهم وألوانهم وأعراقهم علماً واحداً. 

فهم هذه الفكرة وحدها يجعل كل شيء تالياً لها، وتابعاً لمؤداها، ليس من الحكمة حينما يكون الدرس بليغاً هكذا أن ننشغل عن الأهم بالمهم.

صحيح نحن نحتاج إلى منظومة متكاملة من العمل الإعلامي، ولكن يجب التأكيد على أن إعلامنا نجح في التقاط الرسالة القيمية، من مشهد الشجرة التي يرويها الشيوخ إلى منظر الرئيس الهندي المنبهر بالثقافة والحكمة الإماراتية وصولاً إلى الحكمة المشتركة ورسالة التسامح. 

إن الهند والإمارات تجمعهما بالإضافة إلى التاريخ والجغرافيا والاقتصاد، قيم مهمة يبعثان بها للعالم الحديث، ويقدمانها للحضارة، وهي أنّ رسالة التسامح السامية هي وحدها ما يداوي أوجاع هذا العالم المكلوم، وأن جسور المحبة واحترام الآخر وحدها ما يطفئ نيران الإرهاب والدمار، وأن عفوية القادة والعلاقات الطيبة، هي ما سيدوم ويبقى. 

لقد كانت رسالة الشيخ محمد بن زايد صوتاً بليغاً ارتوى منه الجميع، وكانت الزيارة كنزاً من الرموز انفتح بين الناس، فأخذ كل منها ما يحبه وما يهمه، وإن الأغلى من الذهب والألماس فيها، ما مس عصب الإنسانية هو رسالة التسامح، لقد كان تقدير الشعب الهندي الذي يعيش في الهند وحتى الموجود عندنا كبيراً، فهم في الإمارات يعيشون بحرية دينية كاملة، يصلي المسلمون منه والمسيحيون والهندوس في المساجد والكنائس والمعابد، وفي بلادهم يستظلون براية وطن عظيم، اختار أن يحتفي برجل عظيم. 

فلتعش فكرة التسامح، وليبق الوعي الإماراتي عالياً، وهذا ليس دفاعاً، عن الإعلام ولكنه تبيان لما يجب النظر إليه. وعلى أي حال فأنا مجروح شهادة في أوركسترا الإعلام الإماراتي التي تعزف لحناً لا أملك سوى أن أحبه!






24