دماء على أسوار القلعة

الامارات 7 - -فؤاد أبو حجلة
بدد الإرهابيون أمس الأحد الاعتقاد الخاطئ بأن الأردن خارج دائرة الاستهداف الإرهابي الذي يجتاح المنطقة، وكشفت المواجهة بين قوات الأمن وأفراد الخلية الإرهابية الذين تحصنوا في القلعة التاريخية في مدينة الكرك شراسة الاستهداف الظلامي للأردن دولة ومجتمعاً، كما أكدت إصرار الإرهاب الأصولي على دحرجة كرة اللهب من العراق وسوريا إلى المملكة الواقفة في قلب العاصفة منذ بداية ما سمي جزافاً بربيع العرب.

كان الاعتقاد الشعبي الذي ساهم في ترويجه كتاب وسياسيون بأن البلاد بمنأى عن محاولات الاختراق الظلامي، اعتقاداً ساذجاً ووهماً لا تسنده الوقائع ولا القراءة المنطقية للمشهد الدموي في شرق المتوسط. ولم يكن الاستقرار والهدوء الذي شهده الأردن طيلة السنوات الماضية ناتجاً عن استنكاف الإرهابيين عن استهداف المملكة، بل كان نتيجة اليقظة الأمنية والاحترافية العالية للأجهزة الأمنية التي تمكنت من إحباط العديد من العمليات الإرهابية قبل وقوعها، ونجحت في الحفاظ على الاستقرار في المملكة التي تحولت إلى ملاذ آمن وحيد للهاربين من الجغرافيا المحروقة في دول الجوار.

قبل العملية الإرهابية الأخيرة في الكرك، شهدت عمان وإربد عمليات أخرى نفذتها خلايا إرهابية نائمة أو ذئاب منفردة تتحرك بالتوجيه عن بعد، وانتهت هذه العمليات بتصفية الإرهابيين أو اعتقالهم من دون ضجيج أو دعاية ساذجة. وربما يكون منطقياً الاستنتاج بأن عمليات أخرى كثيرة تم إحباطها بهدوء وسرية، ولم يعلن عنها حفاظاً على الطمأنينة المجتمعية.

لكن هذه القدرة الأمنية الواضحة في التعامل مع خطر الإرهاب الأصولي لم يعززها حراك مدني حقيقي في التصدي للإرهاب وحرمانه من حواضن اجتماعية ممكنة في بلد فقير يلفحه لهب الحرائق من كل الجهات، فقد ظل المبشرون بجهنم يعيثون فساداً في البلاد بفتاواهم السوداء، وغضت الدولة الطرف عن نشاط شيوخ الظلام وسعيهم لنشر التطرف وإشاعة الحقد في المجتمع من خلال التحريض على الدولة وعلى مكون أصيل من مكونات المجتمع، وتكفير من يخالفهم في الرأي والرؤية والحكم بإخراجهم من الملة.

وما زال هؤلاء ينشطون في البيوت وفي الزوايا وفي المدارس، وما زالوا يعملون على إعادة الدولة والمجتمع إلى عصر ما قبل الكهرباء، مستفيدين من الصمت ومن مساحة الحرية التي يسطون عليها تحت شعار الحق في العبادة، وهم يساهمون في خلق التعاطف المجتمعي مع الإرهاب وفصائله الناشطة في الجوار. ويخطئ من يظن أن هؤلاء لم يفلحوا في اختراق التكوين الاجتماعي وجذب أعداد من الأردنيين إلى مواقع التعاطف مع داعش والقاعدة وباقي التشكيلات الإرهابية العاملة على هدم الدولة الوطنية في المنطقة العربية.

ثم إن هناك من يمتطي شعار حرية الإعلام ليتعاطف مع الإرهاب الأصولي في سوريا بحجة التصدي للنظام القمعي، وليتعاطف مع الإرهاب الأصولي في العراق بحجة الدفاع عن السنة في مواجهة الحقد الطائفي البغيض الذي يعمي أبصار أهل الحكم ويعمي قلوب الميليشيات الشيعية المرتبطة بإيران.

بشكل أو بآخر يساهم كل هؤلاء في صناعة الإرهاب وتجميل وجهه القبيح. وهم يساهمون أيضاً في فتح منافذ للاختراق الأصولي في مجتمع يتميز بتنوعه وتعدديته الدينية والفكرية والسياسية.

فشل الإرهابيون أمس في تنفيذ مخططهم الشيطاني، وانتهت عمليتهم الآثمة باستشهاد عشرة من الأبرياء، تسعة منهم مواطنون أردنيون، ومواطنة كندية كانت تزور القلعة الأثرية التاريخية، وهذه خسارة كبيرة للأردنيين، في مواجهة لم يختاروها ولم يرغبوا بها، لكنها فرضت عليهم وخاضوها لتجنيب البلاد خطراً أكبر وكارثة كانت الخلية الإرهابية تستعد لإحداثها بعملية كبيرة في العاصمة مثلما تشير الاستنتاجات الأولية.

ورغم بسالة رجال الأمن الذين تصدوا للمجموعة الإرهابية وطاردوها وحاصروها وقضوا عليها في القلعة تظل الحقيقة ماثلة أمام أعيننا، ونأمل أن تكون ماثلة أمام أصحاب القرار وهي حقيقة أن الأمن وحده لا يكفي، وأن تجفيف منابع الإرهاب لا يعني فقط حرمان الإرهابيين من التمويل، بل ينبغي ملاحقة رعاتهم ومنظريهم ووقاية المجتمع من شرور فتاواهم وتلقينهم الأسود، حتى يستطيع الأردنيون مسح الدماء عن أسوار قلعة الكرك.