اغتيال حلب!

الامارات 7 - -رجا طلب
بكل فخر واعتزاز يصرح بشار الأسد أن ما يسمى بتحرير حلب هو لحظة تاريخية فارقة لها ما قبلها ولها ما بعدها، وأن العالم كله سيصبح يقسم الزمن إلى ما قبل "تحرير حلب" وما بعده .

يفاخر الرئيس السوري بهذه الجريمة التي نفذها الغرباء ضد شعبه من روس وإيرانيين وعراقيين وميلشيا حزب الله، أما دوره هو فقد كان مجرد شاهد عيان على قتل شعبه من أجل البقاء أطول فترة ممكنة رئيساً لجمهورية دُمر أكثر من خمسين بالمائة منها تدميراً كاملاً خلال خمس سنوات، جمهورية قرارها في يد فلاديمير بوتين وخامنئي، أما هو فمجرد صورة على حائط هذا الدمار وشاهد عليه ليس أكثر من ذلك.

تحرير حلب بالمعنى الحقيقي والواقعي هو تدمير مدينة بشكل كامل وقتل الآلاف من أبنائها وتشريد عشرات الآلاف منهم، فمصطلح تحرير حلب هو مرادف تماماً لمصطلح اغتيال حلب ومن بها.

يصعب إعطاء وصف لما جرى ويجرى في حلب في ظل صمت دولي مخز وعجز عربي محزن وربما يكون الوصف الذي أعطته الملكة رانيا العبد الله لما يجرى في حلب في واحدة من تغريداتها مؤخراً هو الأكثر دقة وصحة حيث قالت (الحرب تطحن الناس، والمجتمع الدولي يخسر إنسانيته #حلب).

إن اغتيال مدينة حلب هو لحظة تاريخية فارقة حقاً، لكنها لحظة تقسم التاريخ الإنساني إلى قسمين، القسم الأول وهو تاريخ وجود الضمير الإنساني أما القسم الحالي فهو نهاية هذا الضمير وانهياره بين ركام الدمار والقتل في حلب.

من المحزن حقاً أن تقوم بلدان أوروبية مثل بريطانيا وهولندا باستدعاء سفيري إيران وروسيا في البلدين احتجاجاً على ما يجري من جرائم في حلب والعرب "يتفرجون"، لا أدري لماذا لا تقرر دول الجامعة العربية تجميد علاقاتها مع إيران وروسيا احتجاجاً على احتلال واستباحة أراضي دولة عربية هي سوريا وقتل أبنائها وارتكاب المجازر بحقهم؟

أليس مطلوباً من الدول العربية التحرك على الصعيد الإسلامي والدولي لشن حملة سياسية ضد إيران وروسيا ودعوة المجتمع الدولي لعزل هذين البلدين وإيقاع عقوبات سياسية واقتصادية بحقهما.

إن المشروع الإيراني – الروسي في سوريا ما هو إلا الحلقة الأخطر في مخطط تقسيم الخارطة العربية إلى خارطتين الأولى والتي بدأت بالعراق مروراً بسوريا إلى لبنان وليس مستبعداً أن تنتقل إلى إفريقيا العربية وبعض دولها، أما الثانية فهي خارطة الدولة غير المرتهنة لإرادة إيران وروسيا.

إن تدمير النظام السياسي العربي التقليدي على علاته ووهنه هو بداية الانهيار لمفهوم الدولة وبداية صعود مرحلة الهويات الفرعية من مذهبية وعشائرية واثنيه وهي الهويات التي تستعيض بالعادة عن غياب الدولة الوطنية بالميليشيا، وهي مرحلة خطيرة للغاية لأنها تؤسس للصراعات الدموية بين هذه الهويات لفترة طويلة جدا تُهدر فيها الأرواح والأموال والأخطر تُبنى خلالها ثقافة الكراهية للآخر وثقافة العزلة وصعوبة تقبل العيش المشترك وهي كلها نتائج تعيد المجتمعات إلى "الزمن البدائي".

أخطر ما في تجربة "اغتيال حلب" أن الكثير من صانعي القرار في الوطن العربي غير قادرين على استشراف نتائج الحلف الإيراني – الروسي ومدى تأثيره على العالم العربي على المدى المنظور وليس البعيد، وهو ما يتطلب منهم التفكير بمنتهى الجدية والحزم في كيفية تفكيك هذا التحالف وإضعافة أو في مواجهته.
24