"شيلكوت" وانتحار الضمير

الامارات 7 - -يونس السيد

بعد تأخير استمر نحو سبع سنوات، ظهر تقرير لجنة التحقيق البريطانية برئاسة جون شيلكوت، ليؤكد حقيقة باتت معروفة للجميع، وهي أن غزو العراق لم يكن صائباً ولا مبرراً، وأن الذرائع والحجج التي استند إليها كانت كاذبة ومضللة، بل لم تكن موجودة أصلاً، لكن مع ذلك يبقى منطق القوة والغطرسة هو الذي ينتصر في النهاية مهما كان حجم الجرائم التي ترتكب تحت سقف هذه التبريرات المزعومة.

ما قاله تقرير شيلكوت هو الخلاصة نفسها التي توصل إليها الشركاء الأمريكيون قبل سنوات من أنه لا وجود لأسلحة دمار شامل، إذ سبق لرئيس فريق البحث الأمريكي السابق عن أسلحة العراق ديفيد كاي، أن أكد عدم توافر أي أدلة على وجود مثل هذه الأسلحة بحوزة نظام صدام حسين، ليتم تنحيته عن مهمته، قبل أن يعثر عليه مقتولاً في شقة في لندن. وما أكده التقرير هو أن لندن لم تبحث كل الخيارات السلمية، وأن رئيس وزرائها توني بلير آنذاك قدم وعداً مسبقاً للرئيس الأمريكي جورج بوش بالمشاركة في الغزو بغض النظر عن الأسباب والمسببات، وهو ما يتماشى مع اعتراف الاستخبارات البريطانية بأنها اعتمدت على مصادر معلومات كاذبة ومضللة وتعهدت بالإصلاح، ولكن بعد خراب روما كما يقولون.

كل هذا يبقى مفهوماً، لكن ما يتعذر فهمه هو ظهور توني بلير بعد نشر التقرير مباشرة متباكياً ومبدياً أسفه لمقتل نحو 200 جندي بريطاني خلال الغزو، ومصراً على أن العالم أصبح أكثر أماناً بعد الإطاحة بنظام صدام حسين، دون أن يتحدث بكلمة واحدة عن مقتل عشرات الآلاف من العراقيين وتدمير بلد بأكمله. يرى بلير، الذي اعترف جزئياً بتوريط بلاده، ألا علاقة بين غزو العراق واحتلاله والتداعيات التي أعقبته وعلى رأسها الإرهاب الذي ما يزال يفتك بعشرات الآلاف، وأن الإطاحة بنظام صدام كان ضرورياً لحماية الأقليات وإقامة الديمقراطية، ليجد العراق نفسه غارقاً في الفوضى والإرهاب والطائفية، بلا ديمقراطية ولا أمن ولا أمان، ولتجد الأقليات نفسها تقاتل بعضها بعضاً أو تتعرض للإبادة كما حصل للإزيديين والأقليات الأخرى على يد الإرهاب «الداعشي»، مما يثير الكثير من الشكوك حول الأهداف الحقيقية لغزو العراق.

ليست محاولة بلير، إبداء الندم عن قتل الجنود البريطانيين، سوى نوع من التحايل لتبرئة الذات ومحاولة غسل الضمير الذي لم يكن حاضراً أبداً في كل مراحل هذه الكارثة الإنسانية، لأن منطق بلير الذي وضع الرأي العام أمام خيارين إما صدام أو الديمقراطية، دون تقديم أي بديل حقيقي، هو منطق انتحاري بامتياز في ظل مرحلة كاملة من غياب الضمير.

الخليج



شريط الأخبار