مبادرة «بركتنا» وقيم المجتمع

د. موزة العبار
إن القارئ المتمعن في كتاب الله.. يدرك أن الدين الإسلامي الحنيف.. كما هو معلوم.. كان سابقاً. بل وسباقاً؛ لكل التشريعات والنظم الوضعية والتشريعات الاجتماعية المعاصرة التي حضت على ضرورة رعاية كبار السن والعناية بهم..!

وكانت نظرة الإسلام واقعية، حيث بين أن أولى الناس بالرعاية والعناية والتقدير والاحترام هما الوالدان..

حيث كانا سبباً في وجود الإنسان‏ ولذا نرى ربنا سبحانه وتعالى يوصي بهما خيراً‏ ويجعل حقهما عقب حقه سبحانه وتعالى.. فقال في كتابه العزيز (وبالوالدين إحساناً) سورة النساء الآية ‏36.

ويرى عالم النفس SCHAIE أن التقدم في السن حالة تعبر عن التراجع التدريجي في قدرات الإنسان العقلية والجسدية والشعورية..! وهو تراجع قد يصل إلى مرحلة التدهور التي يتعذر فيها على الإنسان التكيف مع الواقع الذي يحيط به قياساً لسنوات العمر السابقة..

ولا يختلف اثنان على أن الشيخوخة مرحلة عمرية ترتبط بنهاية دورة حياة الإنسان.. ولذا لا يوجد مبرر لنسيان أو تناسي حق من تربطنا بهم صلة الرحم من كبار السن، حقهم علينا في رعايتهم والعناية بهم وبشؤونهم.

وفي هذا الزمن العبثي؟! عصر العولمة البغيضة تهتكت علاقات الناس وتميع البناء الاجتماعي بما يحمله من قيم التراحم والتكافل والمساندة الاجتماعية.. وأصبحت الفردية نزعة طاغية..! والأنانية سمة مسيطرة..

ومما لا شك فيه أن تراجع دور الأسرة الممتدة إلى خانة الصفر أصاب المجتمع في مقتل. والمشكلة أنه تتعذر العودة إلى أحضان الأسرة النواة الصغيرة الحجم في عدد أفرادها بل تستحيل.

ومن هذا المنطلق، ولكل ما سبق ذكره، وبإدراك ووعي واهتمام من قيادتنا الرشيدة بهموم ومكانة كبار مواطنينا، أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بحضور سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، مبادرة «بركتنا»، التي تستهدف كبار المواطنين، ضمن منظومة أبوظبي للرعاية المجتمعية الشاملة للارتقاء بجودة حياتهم وضمان رفاهيتهم، إضافة إلى دعم قيم الترابط الأسري والتماسك المجتمعية.

وتهدف المبادرة التي تشرف على تنفيذها دائرة تنمية المجتمع - أبوظبي، بالتعاون مع مؤسسة التنمية الأسرية وعدد من الجهات والمؤسسات المعنية بالقطاع الاجتماعي في الإمارة، إلى تعزيز كفاءة تقديم الرعاية المنزلية الضرورية لكبار المواطنين في ظروف عائلية مناسبة تضمن لهم حياة مستقرة وصحية بين أبنائهم وأفراد أسرهم.

وأكد سموه أهمية المبادرة والمعاني والقيم الأصيلة التي تمثلها، مشيراً إلى أن كبار المواطنين أدوا دورهم في خدمة المجتمع ونهضة الوطن في مختلف المجالات ولا يزال عطاؤهم مستمراً.

ومن حقهم علينا رعايتهم ودعمهم وتحسين جودة حياتهم باعتبارهم مكوناً أساسياً وفاعلاً في المجتمع، وإن مبادرة «بركتنا» رد للجميل لهم وتعبير عن التقدير لتضحياتهم في سبيل رفعة الوطن والارتقاء به، مضيفاً سموه:

«كبار المواطنين مستودع للخبرة والأمناء على عاداتنا وتقاليدنا الأصيلة لنقلها إلى الأجيال الجديدة، كما أنهم بركة الحياة، وبحكمتهم وبصيرتهم ينيرون طريق الجيل الجديد، وبتفانيهم وإخلاصهم يغرسون في نفوس وقلوب شباب اليوم وقادة المستقبل معاني الوفاء والعطاء والتفاني من أجل الوطن».

أعود لأقول إننا ما زلنا في مجتمعاتنا العربية جميعها في حاجة إلى من يذكرنا بواجباتنا تجاه كبار السن من الأهل والأقارب الذين أفنوا ريعان شبابهم وفي ظروف بالغة التعقيد! لنعيش نحن.. عاشوا في ظروف بعيدة عن الرفاهية والترف وبإمكانيات ليست ميسرة كالتي تعيشها نحن في هذه الأيام..!

إن كبار السن «كبار المواطنين» من مواطنينا هم شهود عصرهم وحملة الإرث الثقيل لجميع قيمنا.. عاداتنا وتقاليدنا التي تنتقل من جيل إلى جيل.. الذين لولاهم لما كنا نحن.

إن مبادرة «بركتنا» ما هي إلا ترسيخ للروابط الأسرية من خلال تطوير منظومة خدمات مجتمعية متكاملة تسهم في تخفيف الأعباء الحياتية وتعزز قدرة الأفراد على رعاية ذويهم من كبار المواطنين بكفاءة..

عبر تقديم الدعم اللازم إلى الأبناء وأفراد الأسرة لتحقيق التوازن بين مسؤولياتهم الشخصية والمهنية والاجتماعية، بما يضمن رفع جودة حياة كبار المواطنين ويسهم في تحقيق التماسك الأسري لبناء مجتمع متلاحم يجسد القيم الأصيلة الراسخة في مجتمع دولة الإمارات.



شريط الأخبار