شعور المدير بالوحدة!

الامارات 7 -
من أمتع لحظات الحياة الوظيفية تلك التي عاش فيها الموظف مرؤوساً أي لم يصل بعد إلى «عتبة» المناصب الإدارية. فهو لديه زملاء كثر (مرؤوسين) يديرهم مدير واحد.

وهذا مبدأ إداري يسمى «وحدة الأمر» أطلقه عالم الإدارة الشهير هنري فويل قبل عقود، أي أن من حق كل مرؤوس أن يكون له مدير واحد.

غير أن وحدة الأمر حادت عن هدفها الأساسي فوحدت على ما يبدو جبهة النزاع. فصار الناس (المرؤوسون) يصبون جام غضبهم على ذلك المدير، ويعلقون عليه كشماعة كل شيء يكرهونه في حياتهم الوظيفية وكأنه هو من دفعهم إلى العمل.

صحيح أن بعض الانتقاءات مشروعة، لكن المدير في نهاية المطاف المفترض فيه أن «يدير» من تحته في السلم الوظيفي، فالعبء الأكبر يقع على العاملين معه.

ولو أتيت بأفضل مدير سوف يجد صعوبة في الإنجاز مع مرؤوسين متراخين. خلاصة القول إن هذه الأجواء تخلق حالة من النقد الدائمة لجبهة واحدة وهي المدير.

وكلما ارتفع المدير بالهيكل التنظيمي زاد شعوره بالوحدة. فالمدير ـ بعد المنصب ـ لم يعد كمرؤوسيه الذين يعبرون عن نقدهم للسياسات والقرارات الإدارية بكل أريحية، والسبب أنه صار في «وجه المدفع» كما يقال.

لأنه عندما ينتقد مثلاً «سخافة» أو «عدم اتفاقه» مع قرار صادر من جهات عليا فهو كمن «يحرض» العاملين معه على التراخي أو عدم أخذ ذلك القرار على محمل الجد.

وتقع المشكلة في نهاية المطاف على رأس المدير الذي لا هو استطاع تغيير القرارات ولا هو الذي طبقها، فيصبح بين سندان انتقادات الإدارة العليا ومطرقة رأيه الشخصي، الذي لا يميل إلى تلك القرارات.

غير أن هذا هو الحال في عالم الإدارة، فليس كل ما تريده يحدث لأنك لم تصل بعد إلى مرتبة القيادة العليا أو رئيس المنظمة الذي بيده سلطة التغيير الجذري.

وحتى القائد الكبير نفسه رغم جلوسه على رأس الهرم الوظيفي ستجده مضطراً إلى الانصياع إلى تعليمات مجلس الإدارة أو الوزراء أو المجالس الرقابية العليا.

وهناك أمور أخرى قد تفاقم شعور المدير بالوحدة من ناحية عدم استطاعته التعبير عن مكنوناته بأريحية كما كان يفعل قبل حمل المسؤولية (أيام «الحياة المرؤوسية»).

فمن المشكلات التي تدفع المدير للشعور بالوحدة مواجهته للصراعات والنزاعات الداخلية بين الإدارة العليا وأطراف أعلى منها أو بين الإدارة العليا والجهات الداخلية التي يتعين عليه التعامل معها، فلا يستطيع أن يبوح بذلك وفي الوقت نفسه يتوقع منه أن ينجز المهام والأهداف بالسرعة المطلوبة حتى إن كان يسير في حقل ألغام.

وهذا ما يضطر المدير أحياناً إلى «دفع» أحد مرؤوسيه فجأة عن «لغم إداري» يكاد أن ينفجر فيه، لكنه لا يستطيع أن يشرح له سبب ذلك الموقف (النظرة أو النبرة) التي اعتبرها المرؤوس إساءة لكرامته.

فيذهب ذلك المرؤوس عديم الخبرة إلى جوقة المرؤوسين وتبدأ حفلة النقد والغيبة والنميمة في المدير، الذي وجد نفسه مكبلاً لا يستطيع البوح بمعاناته، ولا التبرير لما فعله، فيما هو مطالب بأن يصبر على الأذى ويواصل المسير لإنجاز العمل.

كما أن المدير قد يعيش في دوامة الوحدة بسبب قرارات ارتكبها «الحرس القديم» وبعضها في غاية الحساسية لارتباطها بملاك الشركة أو شخصيات ذات نفوذ في المنظمة، فتجده يحاول إصلاح ما يمكن إصلاحه، في وقت يوجه له مرؤوسوه وحده أصابع النقد!

ومما يفاقم الشعور بالوحدة لدى المدير أنه «ابتلي» بمرؤوسين عديمي الخبرة، ويفتقرون إلى الرغبة الجادة في التعلم، والأسوأ عدم الانصياع للتعليمات، مستندين على واسطتهم التي عينتهم على الطريقة «البراشوتية».

فهو مضطر إلى إنجاز الأهداف وفي الوقت نفسه لا يستطيع أن يغير العاملين تحته. وإذا كان الأمر مرتبطاً بجهة عامة، فقد يصبح عرضة للتسريبات الإعلامية عن أداء إدارته.

والمشكلة أنه لا يستطيع أن يرد أو يوضح لاعتبارات بديهية، كما ليس في مقدوره أن يشتكي دائماً من مرؤوسيه لأن النقد عادة سيرتد إليه، لكونه هو المقصر في نظر الإدارة العليا.

هذه هي معضلات المديرين التي تفاقم شعورهم بالوحدة. ولهذا السبب يراودهم بين حين وآخر الحنين للعودة إلى أيام «المرؤوسين» حيث لا مسؤوليات تثقل كاهلهم، ولكن هذه هي ضريبة العمل الإداري.



شريط الأخبار