«ساعة المخاطر» تدق سريعاً .. فما العمل؟

سليمان جودة
كلما زادت المخاطر على البشرية في أنحاء الأرض سمعنا أن «ساعة يوم القيامة» - وهي مقياس رمزي للمخاطر التي تهدد حياة الإنسان على الأرض- تدق سريعاً، وأنها اقتربت من «نقطة منتصف الليل» على سطحها بمقدار «كذا». ولا تكون «كذا» هذه إلا عدداً من الدقائق والثواني.

وليس سراً أن «ساعة يوم القيامة» - وهي مصطلح علمي رمزي لا علاقة له بالمفهوم المتعارف عليه لكلمة «القيامة»، لا تختص أحداً من بني آدم بالتهديد دون أحد آخر، وقد قيل مؤخراً إن هذه الساعة يفصلها عن منتصف الليل 89 ثانية، وإن معنى هذا أن المخاطر تتضاعف على حياة بني آدم فوق ظهر الكوكب في الإجمال، وأن عليهم أن يحترسوا حتى لا تصل عقارب الساعة إلى منتصف الليل تماماً.

ومن المعروف أن تصميم هذه الساعة المجازية كان في 1957، وأنه كان على يد الفنان مارتيل لانجسدروف، وأن فكرتها تعود إلى ما يسمى «مجموعة مانهاتن»، وأن هذه المجموعة كانت تضم في عضويتها أينشتين، صاحب نظرية النسبية الشهيرة، وأنه مع علماء آخرين كانوا بعد اختراع القنبلة النووية في الولايات المتحدة الأمريكية يريدون أن تكون ساعة يوم القيامة أقرب إلى المنبه أو جرس الإنذار لأهل الأرض، منها إلى أي شيء آخر، وأن الهدف أن يتحلى صناع القرار في العالم بالحذر الواجب وهُم يقطعون الخطوات في أي اتجاه.

ومما قيل خلال الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، أو بين حلف وارسو السابق وحلف الناتو، إن مؤشر الساعة كان مستقراً في عام 1991 عند منتصف الليل إلا 17 دقيقة، وكانت هذه هي أبعد مسافة زمنية له عن نقطة منتصف الليل.

ولا أحد يعرف عند أي دقيقة أو ثانية بالضبط أشار مؤشر هذه الساعة، عندما نشبت الأزمة الشهيرة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في أيام أزمة خليج الخنازير في ستينيات القرن الماضي. وقتها كان العالم على شفا حرب نووية، وكان السوفييت قد نصبوا سلاحاً نووياً في كوبا التي تقع في الفناء الخلفي للولايات المتحدة، ولا تبعد عن فلوريدا أكثر من مائة ميل، ولولا أن الحكمة تغلبت لدى السوفييت لكان العالم قد خاض في مسار آخر.

وحين تكون الساعة على بعد 17 ثانية هذه الأيام من منتصف الليل، قياساً على أنها كانت على بُعد 17 دقيقة أيام الحرب الباردة، فإن لنا أن نرى حجم ما يحيط بالعالم من خطر.

وليس معروفاً إلى الآن ما هو السبب الذي جعل مؤشرها يقترب من منتصف الليل على هذه الصورة المخيفة؟ ولكن بما أن هذا حدث بعد دخول الرئيس الأمريكي مكتبه البيضاوي في العشرين من يناير، فالأغلب أن تحرك المؤشر كان على صلة بما بادر به ترامب من قرارات فاجأ بها العالم، من أقصى شماله عند جزيرة غرينلاند، إلى أقصى جنوبه عند قناة بنما.

ولأمر ما، فإن المتابع لحركة الساعة يشعر بأن قرار ترامب انسحاب بلاده من اتفاقية المناخ يمكن أن يكون هو الذي حرك المؤشر، بحيث صار أقرب إلى نقطة منتصف الليل منه في أي وقت سابق منذ تصميم الساعة، فالاتفاقية تتعامل مع قضية تؤرق العالم، ولا فرق في الإحساس بخطورة هذه القضية بين دولة متقدمة وأخرى ليست كذلك، ومن علامات الإحساس بخطورتها عالمياً أن مؤتمراً للمناخ صار ينعقد كل سنة، وأنه يتنقل من بلد إلى بلد، لتكون الدول في الشعور بخطورة القضية، التي تتعرض لها سواء.

وعندما يكون الرجل الجالس على رأس أقوى الدول على هذه الدرجة من اللامبالاة بقضية المناخ فلا بد أن تنعكس لامبالاته على الساعة، وعلى مؤشرها.

وهناك أمل بأن تنجح الدول الأعضاء في حمل الولايات المتحدة على العودة للاتفاقية، وإلا فإن ما أنجزته الدول الموقعة عليها، سوف يبدده رجل واحد بجرة قلم، وسوف يجر ذلك على العالم الكثير من المتاعب المناخية، وسوف لا ينجو منها شعب ولا فرد، لأنها تنتشر في أرجاء الكوكب كما تنتشر مقادير الماء، وفق نظرية الأواني المستطرقة.