عمر عبيد غباش
في الإمارات لدينا متاحف شخصية تعد انعكاساً لاهتمام الأفراد بتاريخهم وتراثهم، حيث يبذل أصحابها جهوداً كبيرة في جمع المقتنيات النادرة، سواء كانت تحفاً أثرية، أدوات تراثية، وثائق تاريخية، لوحات فنية أو مقتنيات ذات قيمة ثقافية. برغم ذلك، يواجه أصحاب هذه المتاحف تحديات عديدة، أهمها غياب الدعم المؤسسي، وصعوبة إيجاد أماكن مناسبة للعرض، وعدم توفر الموارد الكافية لصيانة وتحديث مقتنياتهم.
في ظل هذه التحديات، يطرح التساؤل التالي: هل هذه المتاحف مجرد جهود فردية ضائعة، أم أنها يمكن أن تكون جزءاً من النشاط الثقافي والسياحي للدولة؟
الواقع أن هذه المتاحف تلعب دوراً مهماً في توثيق التراث وتعزيز الهوية الوطنية وتقديمه للأجيال القادمة، فضلاً عن كونها عنصر جذب سياحي لمن يبحث عن تجارب ثقافية أصيلة يمكن استثماره لمصلحة الثقافة والسياحة، كما أنها توفر مصادر فريدة للباحثين والمهتمين بتاريخ الدولة. ومع ذلك، فإن التحديات التي تواجه أصحابها عديدة، أبرزها غياب الدعم المؤسسي. فلا توجد مبادرات كافية لدعم هذه المتاحف وتطويرها. ويواجه أصحاب المتاحف صعوبة في عرض مقتنياتهم بسبب التكلفة المرتفعة للأماكن وعدم توفر أماكن مناسبة للعرض. إضافة إلى التكلفة المرتفعة للصيانة والتشغيل، حيث يتطلب ذلك ميزانيات لا يستطيع الأفراد تحملها وحدهم.
الحل يبدأ بتوفير مساحات عرض مجانية أو بأسعار رمزية في المراكز الثقافية أو المتاحف الوطنية، إلى جانب إصدار تصاريح خاصة لهذه المتاحف تتيح لها العمل تحت مظلة رسمية، وكذلك إطلاق برامج تمويل ودعم تشمل منحاً أو قروضاً ميسرة لأصحاب هذه المتاحف. كما يمكن إيجاد آلية للقطاع الخاص ضمن مسؤوليته الاجتماعية لأن يكون شريكاً فاعلاً، سواء عبر تقديم الدعم المالي، أو رعاية معارض متنقلة تجوب إمارات الدولة لعرض مقتنيات هذه المتاحف وإبراز قيمتها للجمهور، ويمكن أيضاً وبتوجيه من المؤسسات ذات الصلة بالثقافة والسياحة، إنشاء شراكات بين المتاحف الشخصية والفنادق أو شركات السياحة لدمجها ضمن البرامج السياحية. يمكن أن تكون هذه المبادرات وسيلة لجذب الجمهور وتحفيز المزيد من الأفراد للحفاظ على التراث، إضافة إلى دعم أصحاب المتاحف عبر تمكينهم من عرض مقتنياتهم لجمهور أوسع.
السؤال الأهم: لماذا لا تتبنى المؤسسات المعنية بالثقافة والسياحة والتسويق استراتيجية ومشروعاً وطنياً لدعم هذه المتاحف؟ بحيث تتضمن هذه الاستراتيجية معارض دورية، شراكات مع الفنادق والجهات السياحية، وحتى إدماجها في المسارات الثقافية، كل ذلك يمكن أن يحول هذه المتاحف من مبادرات فردية إلى جزء أساسي من المشهد الثقافي والسياحي للدولة.
المتاحف الشخصية ليست جهوداً ضائعة، بل كنوز ثقافية تحتاج إلى تبنٍ رسمي ودعم من الجهات المسؤولة والقطاع الخاص. تحويل هذه المتاحف من مشاريع فردية إلى جزء من الهوية الثقافية والسياحية للإمارات يتطلب رؤية شاملة، تبدأ بتوفير المساحات، مروراً بالدعم المالي والتسويقي، وصولًا إلى دمجها في خطط التنمية الثقافية والسياحية للدولة.