قدوة للأمم في سمو القيم

صبحة الراشدي
ما زلت أذكر ذلك اليوم، بعد نهاية منتصف العام، أو كما كنا نسميه إجازة نصف السنة. تسأل المعلمة عادة سؤالاً قد يسبب ربكة للجميع، وكل منا يبحر بخياله بين واقع وخيالات جميلة، ومنا من كان يتلعثم وقد لا يجيد سرد الخيال، فيقرر أن يلتزم الصمت، ومنا من يبحر بسفينة يقودها الخيال، وترسو في ميناء لا يمت لنا بصلة.

نروي سلسلة من القصص والروايات، منها ما يصدقه العقل، ومنها ما قد يخالفه، وعلى الرغم من علم المعلمة بذلك فإنها ترغب في سماع خيالنا إلى أي ميناء سيرسو بنا!

هنا كان مقعدي، المقعد الأول، ولا أخفيكم سراً، لم أكن من الصفوف الأولى، بل بين الأولى والوسط بخطوات.

توسطت المعلمة الفصل، وبصوت جهوري قالت: من منكم ستسرد لنا أين قضت إجازة منتصف العام؟ كما كنا نسميها،

أرى في عينيها مراكب لا مرسى لها.

وما إن وصلت سلسلة القصص إلى مقعدي حتى توقفتُ، وفي حقيقة الأمر لا أعلم ما الذي كان يجول في داخلي. توقفتُ لم أشأ أن أسردها، وأنا على مقعدي كالطير المتوثب أبداً، وفي يوم ما أخذت من عينيه مدى مجنّحاً، فله جناحان لا يمكنك تخيلهما ولا يمكنك إيقافهما.

قالت المعلمة:

صغيرتي، يمكنك أن تسردي لنا وأنتِ على مقعدك بصوت يصل القلوب قبل المسامع.

معلمتي، ما سأسرده مزيج من الهيبة والوقار لا يمكنني سرده وأنا على مقعدي، أخذتُ نفساً عميقاً وكأنني سألقي بخطاب، ويداي ثابتتان على جانبي المقعد.

أيا معلمتي الجميلة، أوقفي جميع المراكب التي أبحرت في عينيك، ولتبحري معي في قاربي الذي كان وما زال ولله الحمد مرسى للجميع. إجازتي لم تكن في ربوع سويسرا، ولا بين برج إيفل ونهر السين، ولا بين قوس النصر وساحات إنجلترا، إجازتي بين سلسلة من الرمال الذهبية التي يداعبها ذاك النسيم البارد الذي يبعِد عنك شقاء السنين، وبين سلسلة من بيوت الشعر المتوارثة بين سدو ومقدام وأجنحة متعددة كأجنحة ملكة الطيور، تراها من بعيد، ولا يمكنك الوصول إليها، لها هيبة تتوقف أمامها الأيام، ولا يمكنك استيعابها. يشعرك أحياناً كبريق عين الصقر جاهزة للانطلاق في لحظة تسامٍ وشموخ. يتوسطها وهج حرارة الوجدان ليتسلل الدفء في صدر الصغير قبل الكبير بين الليالي القمرية، يكاد نورها يشق السماء، وصوت الأمان له لحن كصوت رجل حكيم رخيم يبهرك ويدخل السعادة إلى قلبك، بين الخشن والهدوء، وكأنه يحمل في يديه قيثارة، تتشابك دونها أوتارنا، مما يدخل السكينة في قلوبنا.

قاطعتني المعلمة:

صغيرتي سردتِ لنا صوراً جميلة من وحي خيالك الجميل، أحببتُ ذلك.

أخذتُ نفَساً عميقاً.. اعذريني يا معلمتي، لم تكن من وحي الخيال، إجازتي بكل فخر في إماراتي الحبيبة بين عذوبة ألحانها ودفء رمالها.

نحن بلد الجمال والعطاء والعمل الإنساني، والعالم كله يشهد على مآثر المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وسيرته ومسيرته الخالدة عبر الأجيال، حتى أصبحنا قدوة للأمم في سمو القيم والتقدم والازدهار. وتستمر مسيرته الميمونة، فما زال نهج زايد الخير وسجاياه الحميدة ومبادئه وقيمه ومكارمه متمثلة في أبنائه وشعبه، وهذا حصاد ما زرعه فينا جميعاً.. رحم الله حكيم العرب الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وحفظ الله لنا قائد الأمة سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، قائد مسيرة التقدم والنماء، والبناء والرخاء، والاستقرار والازدهار.