التعليم والميول الشخصية

د.يوسف الشريف
مع تطور المجتمع وتغير متطلباته، أصبحت مسألة توجيه الطلاب نحو المجالات التي تتناسب مع ميولهم وقدراتهم الحقيقية أكثر أهمية من أي وقت مضى، إذ نلاحظ أن العديد من أولياء الأمور يدفعون بأبنائهم نحو التعليم الجامعي باعتباره الخيار الأمثل، دون اعتبار لميول الطالب، أو توافق تلك التوجهات مع طبيعته وقدراته.

في كثير من الأحيان، يُظهر الطالب - منذ مراحل مبكرة - ميولاً واضحة نحو الأعمال اليدوية أو المهارات الحِرفية، سواء كانت تلك الميول في مجالات مثل: النجارة والحدادة والحِرف اليدوية، أو المهن الفنية كالديكور والإصلاحات التقنية، ومع ذلك يغفل كثير من الآباء عن هذه الميول، ويدفعون بأبنائهم نحو التعليم الجامعي، متجاهلين ما قد يكون مصدر قوة ونجاح للطالب في مسار آخر.

لذلك، فإن وجود آلية لدراسة ميول الطلاب بعد مرحلة معينة - كمرحلة الصف السادس أو ما بعدها - يمكن أن يساعد في اكتشاف ميولهم نحو مجالات يمكن أن يُبدعوا فيها.. هذه الآلية يمكن أن تشمل اختبارات نفسية وسلوكية، وأنشطة تطبيقية، ومشاركة مع المتخصصين في مجالات مختلفة، لتقييم ما إذا كان الطالب يميل نحو الأعمال المهنية أو الحِرفية.

تشجيع هذا النمط من التعليم يتطلب تغييراً في النظرة المجتمعية، حيث يجب على المجتمع وأولياء الأمور الاعتراف بأن التعليم الجامعي ليس الخيار الوحيد للنجاح، فكثير من الحِرف أصبح يحظى بتقدير كبير ويوفر وظائف ممتازة، بل يمكن للمهنيين والحِرفيين المهرة أن يكونوا رواد أعمال ناجحين.

لتشجيع الطلاب على اتباع ميولهم المهنية أو الحِرفية، يجب تعزيز البرامج التعليمية التي تستهدف تطوير هذه المهارات منذ المراحل الدراسية الأولى، ويمكن إنشاء ورش عمل مهنية في المدارس، وإقامة شراكات مع الحِرفيين لتوفير تدريب عملي للطلاب، ويمكن توفير منح دراسية وبرامج تمويل للمشاريع الحرفية الصغيرة، إضافة إلى تنظيم معارض ومسابقات لتشجيع الإبداع في هذه المجالات.

وفي الختام، يمكن القول إن فهم ميول الطالب وتوجيهه نحو ما يتناسب مع قدراته، خطوة حاسمة لتحقيق التوازن بين الطموح الشخصي والواقع العملي.. التعليم ليس هدفاً بحد ذاته، بل هو وسيلة لتمكين الفرد من تحقيق ذاته والإسهام بشكل فعال في المجتمع، وعليه فإن دعم الطلاب وتشجيعهم على متابعة ميولهم المهنية أو الحِرفية، يجب أن يكونا جزءاً أساسياً من رؤيتنا المستقبلية للتعليم.