احمد اميري
زيارتي الأخيرة إلى معرض الشارقة الدولي للكتاب كانت تجربة رائعة بالمعاني والدروس. وسط أروقة المعرض، وبين رفوف الكتب، شعرت بروح خاصة لا يمكن أن يوفرها أي جهاز إلكتروني. ومع ذلك، لا يمكن إنكار التحولات التي يشهدها العالم في طرق القراءة والاطلاع، بفعل التطور الرقمي الذي أصبح جزءاً من حياتنا اليومية.السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: هل انتهى عصر الكتاب التقليدي؟ في عالم تتصدر فيه الأجهزة الذكية، يبدو أن الكثيرين يفضلون قراءة المقالات والكتب إلكترونياً، سواء لتوفير الوقت، أو لتجنب حمل الكتب الورقية، أو بسبب الراحة التي توفرها التكنولوجيا. لكن، هل يمكن أن يحل محل الورق؟
الكتاب الورقي ليس مجرد وسيلة لنقل المعرفة، بل هو تجربة حسية متكاملة. ملمس الورق، ورائحة الصفحات، والإحساس بالكتاب بين يديك، كلها أمور تضفي على القراءة سحراً خاصاً، هذا ما شعرت به وأنا أتجول بين أروقة معرض الشارقة للكتاب، أشاهد الناس يتصفحون الكتب بحب وشغف، وكأنهم يعيدون اكتشاف هذا العالم الساحر بعيداً عن ضوضاء التكنولوجيا.
لكن لا يمكننا إنكار مزايا الكتب الرقمية، فهي تتيح الوصول إلى ملايين العناوين بنقرة واحدة، وتوفر إمكانية حمل مكتبة كاملة في جهاز صغير، وتمنح القارئ مرونة كبيرة في تعديل حجم النص والإضاءة، ما يجعلها خياراً جذاباً للكثيرين.
مع ذلك، هناك تحديات تواجه القراءة في العصر الرقمي، أحد أبرز هذه التحديات هو تشتت الانتباه. في حين أن الكتاب الورقي يخلق بيئة خالية من الإلهاء، فإن القراءة عبر الأجهزة الذكية قد تكون مليئة بالمقاطعات بسبب الإشعارات والتنبيهات. كما أن القراءة المطولة عبر الشاشات قد تؤدي إلى إرهاق العين، وتقليل التركيز.
معرض الشارقة الدولي للكتاب قدّم درساً مهماً، وهو أن القراءة ليست مجرد خيار بين الورق والشاشة، بل هي فعل ثقافي يتجاوز الوسائل. الكتاب الورقي سيظل حاضراً لمن يقدر جمالياته، في حين أن التكنولوجيا ستواصل توفير أدوات مبتكرة لنشر المعرفة. المهم هو ألّا نفقد قيمة القراءة نفسها، وأن نركز على ما نقرأ أكثر من الكيفية التي نقرأ بها.
في النهاية، ربما ليس السؤال عمّا إذا كان عصر الكتاب قد انتهى، بل كيف يمكننا أن نعيد تعريف علاقتنا بالقراءة في عصرنا الحديث، فالكتاب، سواء كان ورقياً أو رقمياً، سيظل نافذتنا على العالم، ومفتاحنا لفهم أنفسنا والآخرين.
معرض الشارقة للكتاب يذكرنا كل عام بأن القراءة ليست مجرد نشاط ثقافي، بل هي رسالة حضارية مستمرة، تفتح آفاقاً جديدة، وتربطنا بجذورنا الثقافية، مهما تغيّرت الوسائل.. شكراً الشارقـة