الامارات 7 - يكفي إلقاء نظرة خاطفة على الخريطة الدولية اليوم، لندرك كيف تحول مركز "ثقل العالم" في العقود القليلة الماضية، من الغرب إلى الشرق ومن المركز الثنائي المتألف من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية، إلى الشرق بشكل عام والشرق الأقصى بشكل خاص، بأقطابه المتعددة الصاعدة إضافة إلى العملاق الياباني التقليدي.
فمن الصين إلى الهند ومن كوريا الجنوبية ومجموعة النمور مثل سنغافورة، وماليزيا وصولاً إلى "أشبال نمور" مثل فيتنام، وحتى كمبوديا، يبدو بوضوح كيف تحول هذا الشرق المنسي حتى سنوات قليلة خلت، إلى عملاق حقيقي رغم أنه لا يزال في أوج مرحلة النمو والاكتمال.
وإذ نجحت هذه القوى الدولية الجديدة في فرض نفسها على الساحتين الإقليمية والدولية بسرعة كبيرة، إلا أن الصين تفوقت على الجميع بقفزاتها العملاقة والسرعة الضوئية التي سمحت لها باختراق حاجز الصوت في رحلتها نحو التنمية والتطور، لتفرض نفسها وبقوة نموذجاً ناجحاً من جهة، وشريكاً أساسياً لكل مقتدٍ بنجاحاتها الخارقة ولكل راغب في استلهام الملحمة الصينية الفريدة.
رؤية ثاقبة لعالم متقلب
وبالنظر إلى هذا المعطى الاستراتيجي يُمكن القول إن زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى الصين خطوة جديدة تقطعها الإمارات على طريق طويل من تعزيز العلاقات مع هذا البلد بوصفها "توجهاً استراتيجياً أساسياً للدولة" كما قال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وبناء "الشراكة الاستراتيجية بين البلدين" على حد تعبير السفير الصيني في أبوظبي تشانغ هوا، في تصريح أدلى به لوكالة الأنباء الصينية الرسمية شينخوا، على هامش هذا الحدث الهام الذي تحتضنه بيكين منذ اليوم الأحد.
والواقع أن هذا "البعد الاستراتيجي" مرادف ومكون مركزي في العلاقة بين أبوظبي وبيكين، منذ لحظاتها الأولى، ويكفي النظر إلى الأرقام والنسب وحجم التبادل التجاري والاقتصادي بين البلدين، للتأكد من ذلك، ولكن الجانب الاقتصادي أو التنموي ولا حتى التجاري والسياحي وحده، كفيل بشرح وتوضيح الأبعاد الاستراتيجية الحقيقية للعلاقات الإماراتية الصينية، خاصة في هذه الحقبة التي تتميز كما يقول الخبراء بالسعي إلى إرساء نظام عالمي جديد، على أنقاض النظام الذي انهار في التسعينات من القرن الماضي بعد سقوط نظام القطبين الكلاسكيين السوفياتي والأمريكي، وفي انتظار تشكل نظام عالمي جديد على أسس صلبة بعد الخروج من المرحلة الانتقالية الحالية التي يُطلق عليها في العادة مصطلح النظام المتعدد الأقطاب، وفي انتظار تشكل ملامح هذا النظام المنتظر بأقطاب كثيرة أو قليلة أو كثيرة، فإن الثابت في هذا كله، أنه لا نظام عالمياً ولا توازن دولياً، لا الآن ولا في المستقبل المنظور على الأقل، بعيد عن توقيت بيكين وعن بورصات شنغهاي أو مرافئ هونغ كونغ.
مسابقة الزمن
إن إدراك هذه الحقائق البسيطة يكشف الأهمية التي أولتها الإمارات للعلاقات الثنائية مع الصين، والواقع أن أبوظبي وبكين عملتا ومنذ البداية على طي المسافات واختصارها من أجل تأمين أفضل الفرص والظروف لإرساء شراكة وتعاوناً حقيقياً في كل المجالات، من ذلك أن التعاون أو التبادل التجاري بين البلدين قفز في السنوات الثلاثين الأخيرة مثلاً من بضع ملايين الدولارات في بدايتها، إلى حوالي 55 مليار دولار في 2014، وعلى هذا الأساس نجحت الإمارات في احتلال المرتبة الأولى بين شركاء الصين الخارجيين، لتكون على امتداد سنوات طويلة أول شريك تجاري وأكبر سوق للصادرات الصينية في كامل غربي آسيا وشمال أفريقيا، إلى جانب احتلالها مرتبةً متقدمة بين أهم المحطات الخارجية لإعادة تصدير المنتجات الصناعية الصينية في العالم.
وعلى نفس الوتيرة سارت المبادلات المتنوعة بين الإمارات والصين، وأهمها الاستثمارات المباشرة، فبلغت الاستثمارات الإماراتية في الصين 1.15 مليار دولار، في حين وصلت نظيرتها الصينية في الإمارات 1.66 مليار دولار، بفضل انتشار أكثر من 4 آلاف شركة صينية في الإمارات.
ولم تخرج العلاقات الثقافية والسياحية والفنية عن هذا الإطار العام، كما يبرز من تطور النشاط السياحي والتدفق الصيني على الإمارات مثلاً، بعد إدراجها من قبل الصين "وجهةً سياحية مناسبة للسياح الصينين" وذلك منذ 2007، لتكون الإمارات وجهةً لما لا يقل عن نصف مليون سائح صيني في 2014، فضلاً عن التطور السريع الذي شهدته المبادلات بين المثقفين والفنانين والطلبة والباحثين وغيرهم، بين بكين وأبوظبي وفي الاتجاهين وعلى أكثر من صعيد وفي أكثر من اختصاص.
ولكن هذه الديناميكية التي تستمد زخمها من الحرص على المصالح المشتركة المتبادلة أولاً، وتقاسم الرؤية لمستقبل العالم والعلاقات الدولية بين أبوظبي وبكين، هي التي تفسر انخراط أبوظبي الفاعل في دعم وتأييد مشاريع واستراتيجيات جديدة ظهرت في السنوات القليلة الماضية، التي كان عنوانها الأبرز، انزلاق وانزياح الثقل العالمي من الغرب نحو الشرق، خاصة في اتجاه الصين.
رياح الشرق وأشرعة الإمارات
ولإدراكها أنها جزءٌ فاعل وجزءٌ حيويٌ في هذا الشرق بغربه وشرقه، أفردت سفينة الإمارات للريح الشرقية مكاناً أثيراً بين الرياح التي تدفع أشرعتها، فسارعت إلى تأييد ودعم عدد من المشاريع الكبرى التي تعكس حجم إدراكها لحركة المحور من الغرب إلى الشرق، ووعياً منها بأهمية ما يُمكن لمياه الشرق المتدفقة أن تعطيه من دفع لعجلتها التنموية التي تدور بأقصى سرعة لضمان نموها ولري الغرس الذي زرعه المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان منذ أكثر من ثلاثين سنة عندما نجح في قراءة التحولات العالمية الكبرى التى بدأت في التبشير بدور صيني متعاظم في القرن الحادي والعشرين.
وبعد أن اكتفت الصين على امتداد قرون بغزل الحرير، والذود عن سر صناعته، عاد الحرير ليتدفق على أسواق العالم، من جديد عبر طريق الحرير وعبر طريق الحرير البحري، وحزام طريق الحرير، وغيرها من المنافذ التي شقتها الصين قارياً وإقليمياً ودولياً لضمان تمدد اقتصادها ونموها بما يتماشى وقدراتها المتعاظمة ولكن أيضاً بما يُناسب مقاس هذا التنين العملاق، اقتصادياً ولكن أيضاً سياسياً واستراتيجياً.
ولم تتأخر الإمارات عن الانخراط الفاعل والنشيط في دعم هذه الآليات إدراكاً منها للمكاسب والأهمية التي تكتسيها في إطار هذا التعاون الفاعل والمتكامل، فانخرطت في هذا المسار بأكثر من مبادرة ومشروع.
مباردات إماراتية
ومن أبرز الأمثلة على هذا التوجه الإماراتي، اقتراح أبوظبي بمناسبة زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان السابقة إلى الصين في 2012، إحداث صندوق مشتركٍ إماراتي صيني بـ 10 مليارات دولار، فضلاً عن انضمامها عضواً مؤسساً إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي تأسس بمبادرة صينية، أو تحمسها لما أصبح يُعرف بـ"الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، وطريق الحرير البحري للقرن الـ21" الذي أطلقه الرئيس الصيني في 2013، وغيرها من المبادرات الكثيرة، التي تعكس ما ذهب إلى الإعراب عنه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في زيارته الأخيرة إلى كوريا الجنوبية مثلاً، بحديثه عن مسؤولية "الجيل الحالي والأجيال المقبلة في إحياء طريق الحرير من جديد، ليكون فضاءً رحباً لتواصل الثقافات وتلاقي الحضارات، وجسراً للتقارب، والتعارف والتبادل المعرفي والتجاري، ورابطاً قوياً تتوحد فيه الإرادات لمواجهة التحديات والمخاطر في المنطقة العربية وشرق وجنوب آسيا والعالم".
وإذا كان التبادل الاقتصادي والتجاري، مع العملاق الصيني، ثاني اقتصاد عالمي حالياً، وأول قوة اقتصادية حسب الخبراء منذ العقد القادم، يضمن أمام "الجمل العربي" آفاقاً غير محدودة للنمو والتطور على جميع المستويات، بفضل هذه الشراكة، إلا أن ذلك لا يحجب أيضاً ورغم التفاوت الكبير بين الحليفين والصديقين، مساحةً وقدرات وقوة، تطابقاً ملحوظاً في المقاربة مع مراعاة ما يتناسب مع ظروف كل منهما، وأولوياته، ودون أن يكون ذلك على حساب إيمانهما بالمصالح المشتركة والثقة المتبادلة، كما أعرب عنها الجانبان في أكثر من مناسبة بالتأكيد على تطابق المواقف من القضايا والشؤون الدولية، أو الالتزام بالسيادة الوطنية للبلدين في إطار"شراكة إستراتيجية حقيقية في الشرق الأوسط والخليج".
تأسيساً لنظام عالمي جديد
إن هذه المعاني الكثيرة والمتعددة التي تُبرز مدى وعمق العلاقات الثنائية بين الإمارات والصين، والاحترام المتبادل الكبير بين البلدين والقيادتين والشعبين الصديقين، فضلاً عن الآفاق الواسعة والعريضة التي تتيحها فرص تنمية الروابط والعلاقات بينهما، بما يضمن المصالح المتبادلة والمكاسب المشتركة، لنموذج باهر عما يُمكن لمثل هذه العلاقات المتوازنة والمتكافئة أن تعود به من نفع على العملاق الخليجي الصاعد، الإمارات، والعملاق الآسيوي المتحفز لمزيد النمو، على الطرفين، ومن ورائهما على توازن العلاقات بين الدول والشعوب في المنطقة وفي العالم بأسره، وتأسيساً حقيقياً لنظام عالمي جديدٍ، في الوقت الذي يُنشد فيه العالم، منذ فترة طالت نسبياً عن توازن جديدٍ، عادل وأخلاقي في العلاقات والمصالح الدولية ولحقوق الشعوب، بلا إجحاف أو إفراط أو تفريط.
تقرير لموقع (24)
فمن الصين إلى الهند ومن كوريا الجنوبية ومجموعة النمور مثل سنغافورة، وماليزيا وصولاً إلى "أشبال نمور" مثل فيتنام، وحتى كمبوديا، يبدو بوضوح كيف تحول هذا الشرق المنسي حتى سنوات قليلة خلت، إلى عملاق حقيقي رغم أنه لا يزال في أوج مرحلة النمو والاكتمال.
وإذ نجحت هذه القوى الدولية الجديدة في فرض نفسها على الساحتين الإقليمية والدولية بسرعة كبيرة، إلا أن الصين تفوقت على الجميع بقفزاتها العملاقة والسرعة الضوئية التي سمحت لها باختراق حاجز الصوت في رحلتها نحو التنمية والتطور، لتفرض نفسها وبقوة نموذجاً ناجحاً من جهة، وشريكاً أساسياً لكل مقتدٍ بنجاحاتها الخارقة ولكل راغب في استلهام الملحمة الصينية الفريدة.
رؤية ثاقبة لعالم متقلب
وبالنظر إلى هذا المعطى الاستراتيجي يُمكن القول إن زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى الصين خطوة جديدة تقطعها الإمارات على طريق طويل من تعزيز العلاقات مع هذا البلد بوصفها "توجهاً استراتيجياً أساسياً للدولة" كما قال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وبناء "الشراكة الاستراتيجية بين البلدين" على حد تعبير السفير الصيني في أبوظبي تشانغ هوا، في تصريح أدلى به لوكالة الأنباء الصينية الرسمية شينخوا، على هامش هذا الحدث الهام الذي تحتضنه بيكين منذ اليوم الأحد.
والواقع أن هذا "البعد الاستراتيجي" مرادف ومكون مركزي في العلاقة بين أبوظبي وبيكين، منذ لحظاتها الأولى، ويكفي النظر إلى الأرقام والنسب وحجم التبادل التجاري والاقتصادي بين البلدين، للتأكد من ذلك، ولكن الجانب الاقتصادي أو التنموي ولا حتى التجاري والسياحي وحده، كفيل بشرح وتوضيح الأبعاد الاستراتيجية الحقيقية للعلاقات الإماراتية الصينية، خاصة في هذه الحقبة التي تتميز كما يقول الخبراء بالسعي إلى إرساء نظام عالمي جديد، على أنقاض النظام الذي انهار في التسعينات من القرن الماضي بعد سقوط نظام القطبين الكلاسكيين السوفياتي والأمريكي، وفي انتظار تشكل نظام عالمي جديد على أسس صلبة بعد الخروج من المرحلة الانتقالية الحالية التي يُطلق عليها في العادة مصطلح النظام المتعدد الأقطاب، وفي انتظار تشكل ملامح هذا النظام المنتظر بأقطاب كثيرة أو قليلة أو كثيرة، فإن الثابت في هذا كله، أنه لا نظام عالمياً ولا توازن دولياً، لا الآن ولا في المستقبل المنظور على الأقل، بعيد عن توقيت بيكين وعن بورصات شنغهاي أو مرافئ هونغ كونغ.
مسابقة الزمن
إن إدراك هذه الحقائق البسيطة يكشف الأهمية التي أولتها الإمارات للعلاقات الثنائية مع الصين، والواقع أن أبوظبي وبكين عملتا ومنذ البداية على طي المسافات واختصارها من أجل تأمين أفضل الفرص والظروف لإرساء شراكة وتعاوناً حقيقياً في كل المجالات، من ذلك أن التعاون أو التبادل التجاري بين البلدين قفز في السنوات الثلاثين الأخيرة مثلاً من بضع ملايين الدولارات في بدايتها، إلى حوالي 55 مليار دولار في 2014، وعلى هذا الأساس نجحت الإمارات في احتلال المرتبة الأولى بين شركاء الصين الخارجيين، لتكون على امتداد سنوات طويلة أول شريك تجاري وأكبر سوق للصادرات الصينية في كامل غربي آسيا وشمال أفريقيا، إلى جانب احتلالها مرتبةً متقدمة بين أهم المحطات الخارجية لإعادة تصدير المنتجات الصناعية الصينية في العالم.
وعلى نفس الوتيرة سارت المبادلات المتنوعة بين الإمارات والصين، وأهمها الاستثمارات المباشرة، فبلغت الاستثمارات الإماراتية في الصين 1.15 مليار دولار، في حين وصلت نظيرتها الصينية في الإمارات 1.66 مليار دولار، بفضل انتشار أكثر من 4 آلاف شركة صينية في الإمارات.
ولم تخرج العلاقات الثقافية والسياحية والفنية عن هذا الإطار العام، كما يبرز من تطور النشاط السياحي والتدفق الصيني على الإمارات مثلاً، بعد إدراجها من قبل الصين "وجهةً سياحية مناسبة للسياح الصينين" وذلك منذ 2007، لتكون الإمارات وجهةً لما لا يقل عن نصف مليون سائح صيني في 2014، فضلاً عن التطور السريع الذي شهدته المبادلات بين المثقفين والفنانين والطلبة والباحثين وغيرهم، بين بكين وأبوظبي وفي الاتجاهين وعلى أكثر من صعيد وفي أكثر من اختصاص.
ولكن هذه الديناميكية التي تستمد زخمها من الحرص على المصالح المشتركة المتبادلة أولاً، وتقاسم الرؤية لمستقبل العالم والعلاقات الدولية بين أبوظبي وبكين، هي التي تفسر انخراط أبوظبي الفاعل في دعم وتأييد مشاريع واستراتيجيات جديدة ظهرت في السنوات القليلة الماضية، التي كان عنوانها الأبرز، انزلاق وانزياح الثقل العالمي من الغرب نحو الشرق، خاصة في اتجاه الصين.
رياح الشرق وأشرعة الإمارات
ولإدراكها أنها جزءٌ فاعل وجزءٌ حيويٌ في هذا الشرق بغربه وشرقه، أفردت سفينة الإمارات للريح الشرقية مكاناً أثيراً بين الرياح التي تدفع أشرعتها، فسارعت إلى تأييد ودعم عدد من المشاريع الكبرى التي تعكس حجم إدراكها لحركة المحور من الغرب إلى الشرق، ووعياً منها بأهمية ما يُمكن لمياه الشرق المتدفقة أن تعطيه من دفع لعجلتها التنموية التي تدور بأقصى سرعة لضمان نموها ولري الغرس الذي زرعه المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان منذ أكثر من ثلاثين سنة عندما نجح في قراءة التحولات العالمية الكبرى التى بدأت في التبشير بدور صيني متعاظم في القرن الحادي والعشرين.
وبعد أن اكتفت الصين على امتداد قرون بغزل الحرير، والذود عن سر صناعته، عاد الحرير ليتدفق على أسواق العالم، من جديد عبر طريق الحرير وعبر طريق الحرير البحري، وحزام طريق الحرير، وغيرها من المنافذ التي شقتها الصين قارياً وإقليمياً ودولياً لضمان تمدد اقتصادها ونموها بما يتماشى وقدراتها المتعاظمة ولكن أيضاً بما يُناسب مقاس هذا التنين العملاق، اقتصادياً ولكن أيضاً سياسياً واستراتيجياً.
ولم تتأخر الإمارات عن الانخراط الفاعل والنشيط في دعم هذه الآليات إدراكاً منها للمكاسب والأهمية التي تكتسيها في إطار هذا التعاون الفاعل والمتكامل، فانخرطت في هذا المسار بأكثر من مبادرة ومشروع.
مباردات إماراتية
ومن أبرز الأمثلة على هذا التوجه الإماراتي، اقتراح أبوظبي بمناسبة زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان السابقة إلى الصين في 2012، إحداث صندوق مشتركٍ إماراتي صيني بـ 10 مليارات دولار، فضلاً عن انضمامها عضواً مؤسساً إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي تأسس بمبادرة صينية، أو تحمسها لما أصبح يُعرف بـ"الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، وطريق الحرير البحري للقرن الـ21" الذي أطلقه الرئيس الصيني في 2013، وغيرها من المبادرات الكثيرة، التي تعكس ما ذهب إلى الإعراب عنه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في زيارته الأخيرة إلى كوريا الجنوبية مثلاً، بحديثه عن مسؤولية "الجيل الحالي والأجيال المقبلة في إحياء طريق الحرير من جديد، ليكون فضاءً رحباً لتواصل الثقافات وتلاقي الحضارات، وجسراً للتقارب، والتعارف والتبادل المعرفي والتجاري، ورابطاً قوياً تتوحد فيه الإرادات لمواجهة التحديات والمخاطر في المنطقة العربية وشرق وجنوب آسيا والعالم".
وإذا كان التبادل الاقتصادي والتجاري، مع العملاق الصيني، ثاني اقتصاد عالمي حالياً، وأول قوة اقتصادية حسب الخبراء منذ العقد القادم، يضمن أمام "الجمل العربي" آفاقاً غير محدودة للنمو والتطور على جميع المستويات، بفضل هذه الشراكة، إلا أن ذلك لا يحجب أيضاً ورغم التفاوت الكبير بين الحليفين والصديقين، مساحةً وقدرات وقوة، تطابقاً ملحوظاً في المقاربة مع مراعاة ما يتناسب مع ظروف كل منهما، وأولوياته، ودون أن يكون ذلك على حساب إيمانهما بالمصالح المشتركة والثقة المتبادلة، كما أعرب عنها الجانبان في أكثر من مناسبة بالتأكيد على تطابق المواقف من القضايا والشؤون الدولية، أو الالتزام بالسيادة الوطنية للبلدين في إطار"شراكة إستراتيجية حقيقية في الشرق الأوسط والخليج".
تأسيساً لنظام عالمي جديد
إن هذه المعاني الكثيرة والمتعددة التي تُبرز مدى وعمق العلاقات الثنائية بين الإمارات والصين، والاحترام المتبادل الكبير بين البلدين والقيادتين والشعبين الصديقين، فضلاً عن الآفاق الواسعة والعريضة التي تتيحها فرص تنمية الروابط والعلاقات بينهما، بما يضمن المصالح المتبادلة والمكاسب المشتركة، لنموذج باهر عما يُمكن لمثل هذه العلاقات المتوازنة والمتكافئة أن تعود به من نفع على العملاق الخليجي الصاعد، الإمارات، والعملاق الآسيوي المتحفز لمزيد النمو، على الطرفين، ومن ورائهما على توازن العلاقات بين الدول والشعوب في المنطقة وفي العالم بأسره، وتأسيساً حقيقياً لنظام عالمي جديدٍ، في الوقت الذي يُنشد فيه العالم، منذ فترة طالت نسبياً عن توازن جديدٍ، عادل وأخلاقي في العلاقات والمصالح الدولية ولحقوق الشعوب، بلا إجحاف أو إفراط أو تفريط.
تقرير لموقع (24)