أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي أن ما تصنعه الإمارات بناء نموذج ناجح للمنطقة، نموذج تستطيع أي دولة أو شعب أن يتبناه، نموذج يقوم على التسامح والانفتاح وعلى التعايش المشترك وعلى مجموعة كبيرة من الأنظمة الاقتصادية والإدارية المتطورة التي توفر جودة حياة للجميع، مشيراً سموه إلى أنه نموذج يقوم على دعم الشباب وإعطائهم فرصة لبناء أوطانهم، نموذج أيضاً يقوم على تمكين المرأة بشكل كامل واستغلال طاقاتها الكامنة بدون أي تحجيم أو تعطيل لنصف المجتمع. وقال سموه: «ما نفعله في دولة الإمارات هو بناء نموذج من داخل المنطقة يصلح للتطبيق في المنطقة بكل تعقيداتها وتداخلاتها وتاريخها وإرثها الثقافي والسياسي والاجتماعي، ونتمنى الاستفادة من هذا النموذج وأبوابنا مفتوحة لإخواننا العرب للبناء عليه». جاء ذلك في حوار لسموه مع مجلة «نيوز ويك» الأميركية.. وهذا نص الحوار... نموذج ناجح للمنطقة * محمد بن راشد قائد عربي استطاع بناء نموذج تنموي واقتصادي ناجح في دبي والإمارات ليس فقط على المستوى العربي بل أيضاً على المستوى العالمي، أين موقع الوطن العربي وما يدور فيه من تدهور سياسي واقتصادي ومجتمعي من اهتمامات وأجندة محمد بن راشد آل مكتوم؟ - أولًا وقبل كل شيء.. دعوني أهنئكم بصدور العدد الإقليمي الأول من نيوزويك. ولا شك أن مزيداً من المجلات الرصينة، والإعلام الجاد، والتحليلات المحايدة هو ما نحتاجه اليوم، ونحتاج أيضاً أن ننقل وجهة نظر المنطقة بحيادية للعالم وننقل وجهة نظر العالم للمنطقة بدون مجاملات، وتمنياتي لكم بالنجاح في هذه المهمة التي لا أقول إنها مستحيلة ولكنها مليئة بالتحدي. وكل التوفيق لكم بإذن الله. أما بالنسبة لسؤالكم.. فهذه المنطقة أولًا وقبل كل شيء هي منطقتي، وشعوبها هم إخوتي وأهلي، وتاريخها هو المكون الرئيسي لهويتي وحضارتي، وبالتالي هي ليست على أجندتي ولكنها هي ما يشكل أجندتي وعملي والكثير من مبادراتي، والمنطقة اليوم كما نراها على محك تاريخي.. وعند مفترق طرق حضاري، إما أن تستعيد حضارتها وتستأنف ريادتها وإما أن تكون منطقة غير صالحة للسكن ينزح أهلها للقارات المجاورة بحثاً عن لقمة العيش وعن الحياة الكريمة، ما يحدث في منطقتنا مؤلم ويستحوذ على كل اهتمامي، وهو في الوقت نفسه يضع الجميع أمام مسؤوليات تاريخية لا بد من النهوض بها، ولن ترحمنا الأجيال العربية القادمة إذا لم نصنع لها أملًا ولم نهيئ لها مستقبلا.. اليوم جزء كبير مما نصنعه في دولة الإمارات هو بناء نموذج ناجح للمنطقة، نموذج تستطيع أي دولة أو شعب أن يتبناه، نموذج يقوم على التسامح والانفتاح وعلى التعايش المشترك وعلى مجموعة كبيرة من الأنظمة الاقتصادية والإدارية المتطورة التي توفر جودة حياة للجميع، نموذج يقوم على دعم الشباب، وإعطائهم فرصة لبناء أوطانهم، نموذج أيضاً يقوم على تمكين المرأة بشكل كامل واستغلال طاقاتها الكامنة بدون أي تحجيم أو تعطيل لنصف المجتمع، ما نفعله في دولة الإمارات هو بناء نموذج من داخل المنطقة يصلح للتطبيق في المنطقة بكل تعقيداتها وتداخلاتها وتاريخها وإرثها الثقافي والسياسي والاجتماعي، ونتمنى الاستفادة من هذا النموذج وأبوابنا مفتوحة لإخواننا العرب للبناء عليه. مبادرات إماراتية * ولكن بعيداً عن بناء النموذج الإماراتي.. هل هناك مبادرات شخصية من محمد بن راشد آل مكتوم لوقف تدهور المنطقة؟ - دولة الإمارات كانت ولا زالت وستبقى تحاول وتجتهد من أجل استقرار هذه المنطقة ومن أجل القيام بدورها ومسؤولياتها التاريخية تجاه شعوب المنطقة. وأنا شخصياً لا أفضل الحديث عن جهودي الشخصية، فهي تأتي ضمن إطار توجهنا كدولة، ولكن دعني أخبركم قصة لم أخبر بها أحداً قبل هذا ولم يتم إعلانها أيضاً من قبل. لعلكم تعلمون أن بداية التدهور الكبير والفوضى في منطقتنا كان مع غزو العراق، وحل جيشه، وفتح المجال لخطاب وجماعات طائفية إقصائية.. ثم رد فعل تكفيري إرهابي، ثم فوضى تقودها أحزاب وجيوش صغيرة امتد تأثيرها لأكثر من مكان.. كنا نرى بوضوح في دولة الإمارات وحسب المعطيات الدولية في ذلك الوقت والحسابات السياسية بأن المنطقة ستكون مقبلة على فوضى كبيرة إذا حصل الغزو، والقصة أنني ذهبت بنفسي لمقابلة صدام حسين قبل الغزو لأنقل له الصورة بكل وضوح وبدون مجاملات، ولأقدم له النصح من شخص محب للعراق وأهله وحريص على مستقبله واستقراره، وجلست مع صدام حسين حوالي 5 ساعات.. كان اجتماعاً صريحاً، ومشحوناً أيضاً، خرج خلاله صدام من الاجتماع 4 مرات مغضباً، ثم يعود ويطلب الشاي العراقي ونكمل حديثنا.. أوضحت لصدام في ذلك الوقت بأن التوازنات السياسية الدولية تتطلب تنازلات، وبأن إنقاذ العراق يتطلب تنازلات، وبأن الوقت هو وقت حكمة وليس وقت حرب، وبأننا في دولة الإمارات مستعدون لتقديم دعم كامل له في حال تنازل للضغوط، ووصل إلى حل توافقي سلمي لإنقاذ العراق، وكم تمنيت لو استمع صدام لنصح محبين للعراق وأهله، لكان وفر على هذه المنطقة الكثير من المآسي والفوضى والتدهور الذي أعقب سقوط العراق. * في رأيك لماذا لم يستمع صدام لكم ولنصحكم؟ - صدام حسين هو شخص عارف وعالم بشؤون بلده الداخلية، وقادر على إحداث توازن داخلي في العراق وقيادة تنمية لشعبه.. ولكنه على الصعيد الخارجي لم يكن واقعياً للأسف، بل كان مغيَباً إن صح التعبير، ولعل المحيطين به كانوا يصورون له الأمور بشكل مخالف للواقع تماما، ولعل غزو الكويت مثلًا هو أكبر دليل على نوعية الأخطاء التي يمكن ارتكابها عندما لا تكون ملماً بالسياسة الدولية وغير مهتم بتوازناتها ولا واقعيتها، لم يكن لدى صدام واقعية سياسية في تعاملاته الدولية، ولعل ذلك بسبب المحيط المجامل له.. حيث كان كمن يستمع لنفسه.. ويتحدث مع نفسه.. وهذا أحد أخطاء القادة العرب المشتركة للأسف الشديد.. لم يكن لدى صدام رؤية واضحة حول الوضع العالمي في ذلك الوقت.. ولم يكن لديه الحكمة الكافية للاستماع لنصيحة الأصدقاء.. رحمه الله.. ورحم الله شعب العراق وشعوب المنطقة.. تأخرت دولنا عشرات السنين بسبب أخطاء فردية. * بالحديث عن الأخطاء الفردية، ماذا عن معمر القذافي وهل لديك تجربة شخصية معه؟ - لا أحب كثيراً الخوض في قصصي مع الزعماء العرب، لأن بعض القصص مما يدمي القلوب. وستكون هذه القصة الأخيرة التي أنقلها لكم.. نعم التقيت مع معمر القذافي في خيمته المشهورة.. فقال لي بأنه قام بثورة شعبية وأنا قمت بثورة اقتصادية.. ولا بد أن نعمل مع بعضنا.. وتمنيت في ذلك الحديث أن أعطيه بعض النصح في القيام بالثورات الاقتصادية وتحسين حياة الشعوب.. ولكنه هو من كان يحدثني عن تفاصيل ثورتنا الاقتصادية في دبي والإمارات وعن أهمية الأنظمة الإدارية الحديثة.. وعن ما يميز اقتصادنا المنفتح.. وغير ذلك.. كان معمر القذافي كمن يتحدث إلى نفسه أيضاً.. لم يكن يريد الاستماع لنصح أحد.. أو الاستفادة من تجربة أحد.. وهذه أحد أهم الأخطاء التي يقع فيها بعض القادة.. وهو أن لا يكون عندهم التواضع الكافي للاستماع لرأي صديق.. أو متخصص... أو عالم أو غيره. الشعب الليبي مليء بالطاقات الجادة المتميزة.. ولكن للأسف لم يتم استغلال الموارد المالية والبشرية الليبية لبناء دولة.. ولكن لتصدير ثورة وفوضى. حاولت أن أخرج بشيء من لقائي بمعمر القذافي واقترحت عليه أن تكون هناك لجنة لبدء بعض المشاريع.. فوافق.. أرسلنا فريقنا هناك عدة مرات لكن للأسف لم تكن هناك دولة ومؤسسات نستطيع التعامل معها.. بل علاقات ومحسوبيات وفساد.. ونحن لا نستطيع العمل في هذه الأجواء. المفتاح هو التعليم * صاحب السمو.. وأنت صاحب تجربة ناجحة، ما هي الوصفة التي يمكن أن تقدمها للمنطقة للخروج من النفق التي تعيش فيه؟ - أنا لا أحب التنظير ولا أحب وضع فلسفة خاصة بي.. ولكن من عملي وخبرتي وتعاملاتي خلال السنوات الماضية تكونت لديّ قناعات واضحة في بناء الدول والأمم والشعوب الناجحة.. لو نظرنا للتاريخ القديم والحديث سنجد أن الأمم والشعوب المنفتحة المتسامحة تستطيع النهوض والتطور أكثر من غيرها.. وخذ مثالًا لذلك بغداد المأمون وبيت الحكمة المشهور والأندلس وجامعاتها التي تضم مختلف الثقافات والأديان.. وحتى تاريخنا الحديث حيث تقود الولايات المتحدة بقية دولة العالم في أغلب المجالات والسبب انفتاحها واستقطابها لأفضل العقول من كافة أنحاء العالم والاستفادة منهم جميعا في بناء أعظم قوة اقتصادية وعسكرية في العالم.. اليوم في بعض دولنا العربية لا يستطيع الأخ العمل مع أخيه بسبب الطائفة والدين.. وحتى ضمن الطائفة نفسها تجد تقسيمات واختلافات تؤدي للتناحر والاقتتال فضلا عن العمل معا لبناء مستقبل أبنائهم ووطنهم. التسامح هو ما نبدأ به والتسامح يأتي من التعليم والمعرفة والقراءة.. فالمفتاح هو التعليم.. والمستقبل يبدأ من المدارس.. ولا أشك في ذلك أبداً. الشيء الثاني يا أخي هو تساوي الفرص أمام الجميع والعدالة وحكم القانون.. هذه كلها أمور مهمة لبناء اقتصاد قوي منافس. انظروا لنا في دبي مثلا.. عندما أنشأنا طيران الإمارات التي أكملت 30 عاما.. كان السبب الرئيسي أننا رفضنا مبدأ احتكار مطار دبي وإغلاق أجواء دبي أمام المنافسة.. وعندما استثمرنا في طيران الإمارات جعلناهم يتنافسون مع السوق ومع بقية الناقلات ولم نوفر لهم اية حماية حتى يكون لديهم حرص على الجودة.. وحتى نشجع الجميع على الاستثمار بكل حرية في دبي ووسط أجواء من العدالة وتكافؤ الفرص.. واليوم يمكنك أن ترى ذلك في نتائج طيران الإمارات كونها أفضل ناقلة جوية عالمية من حيث الجودة.. ومطار دبي من حيث كونه الأكبر عالميا في النقل الجوي الدولي. لا بد من خلق أجواء وبيئة صالحة للاستثمار... والشعوب قادرة على بناء نفسها وبناء أوطانها.. الحكومات وظيفتها الأساسية هي بناء البيئة الصالحة وليس التحكم في هذه البيئة.. الحكومات وظيفتها هي وضع البنية الأساسية سواء كانت تحتية أو تشريعية وتنظيمية فقط وليس وظيفتها أن تتحكم وتسيطر على من يحق له ومن لا يحق له استخدام هذه البنية.. لا بد للحكومات أن تراجع دورها في منطقتنا.. وتحد من هذا الدور لصالح القطاعات الخاصة ومقدمي الخدمات والمستثمرين أيضا. لا بد للحكومات أن تركز على تمكين شعوبها.. وليس التمكن من شعوبها. مسبار الأمل * صاحب السمو.. دعنا ننتقل لموضوع آخر.. ما قصة مسبار الأمل الذي سترسله الإمارات للمريخ؟ وهل فعلًا أنتم بحاجة للوصول للمريخ أم هو مجرد مغامرة لتقولوا للعالم نحن موجودون؟ - أنا سعيد لأنكم سألتم هذا السؤال.. وتمنيت لو سألتوني عن سبب تسميته بهذا الاسم أولا. نحن أسميناه مسبار الأمل لأن المنطقة التي نعيش فيها... والشباب العربي الذي يرى واقع أمته بحاجة لمشروع يعيد إليه ثقته الحضارية بنفسه.. ومشروع يعيد الأمل لمنطقته نحن لا ننظر للمشروع على أنه مشروع إماراتي بل هو مشروع عربي.. نحن كمنطقة وكأمة بحاجة لمشاريع من هذا النوع لنثبت للعالم بأننا نحن العرب قادرون على استئناف الحضارة.. وقادرون أن نسهم في تطور المعرفة البشرية.. وقادرون على منافسة العالم في الوصول للمريخ.. وكل ذلك بأيدي مهندسين عرب إماراتيين يتحدثون ويلبسون ويعيشون كما يعيش بقية الشباب العربي.. وهذه نقطة مهمة جدا في استعادة ثقتنا الحضارية بأنفسنا أما بالنسبة لاستثمارنا نحن في دولة الإمارات.. فهو استثمار ناجح جدا على المدى البعيد.. نحن منذ بداية قيام الدولة في 1971 كان أحد أهم مبادئنا هو بناء الإنسان. وانتقلنا من دولة صحراوية فقيرة لدولة غنية قوية متقدمة بسبب استمرارنا على هذا المبدأ.. الإنسان هو من يصنع الاقتصاد والإدارة والعلوم والبنية التحتية وغيرها.. لذلك فإن الاستثمار فيه هو الأساس.. مشروع المريخ هو استثمار في الإنسان عندنا.. من خلال هذا المشروع نحن سنخرج مئات المهندسين في علوم الفضاء وتقنياته المتقدمة والتي بالمناسبة لها تطبيقات عظيمة في واقعنا اليومي.. وسنخرج أيضا علماء.. وباحثين ومتخصصين.. وأكثر من ذلك سنخرج جيلًا كاملًا يحلم بالفضاء ويضع طموحاته في السماء.. ويعرف أنه لا يوجد مستحيل أمامه.. وكل ذلك لا يقدر بثمن. نحن لدينا إيمان في دولة الإمارات بأهمية الابتكار.. والمشروع هو جزء من هذا الإيمان.. الأمم والشعوب التي لا تبتكر تموت وتذبل وتخرج من سباق التطور الحضاري.. لدينا استراتيجية وطنية للابتكار في الفضاء.. وفي الطاقة المتجددة.. والتعليم والصحة.. واليوم لدينا مشاريع استراتيجية في هذه القطاعات تكلفنا أضعاف ما يكلفنا مسبار المريخ.. فلدينا مشروع مدينة مصدر والذي تبلغ تكلفته حوالي 22 مليار دولار.. ومراكز أبحاث طبية تحت الإنشاء... ولدينا متحف المستقبل أكبر مشروع مخصص لدعم الابتكار في المنطقة.. ولدينا أيضا حاضنات ابتكار بقيمة تتجاوز 5.5 مليار.. اليوم اقتصاد العالم يقوده المبتكرون والمبدعون وأبسط مثال على ذلك أنظر لشركات الاقتصاد الرقمي مثل ابل وجوجل وغيرهما التي فاقت بحجمها حجم شركات النفط العملاقة. اقتصاد مابعد النفط * صاحب السمو... بالمناسبة عن الحديث عن شركات النفط.. أين ترى أسعار النفط على المدى المتوسط والبعيد وكيف ترى تطور أسواق النفط على المدى المنظور؟ - أقدر سؤالكم حول هذا الموضوع ولست بمتخصص في أسواق النفط.. ولكن ما يجب أن نتحدث عنه اليوم هو اقتصادات النفط.. وليس أسعار النفط.. وهذا الموضوع هو الأخطر والأهم لشعوبنا.. وشعوب منطقتنا. النفط هو حوض نقوم بالسحب منه يوميا.. ومن الخطأ أن نرهن مستقبل دولنا وأجيالنا لهذا الحوض الذي لا بد أن يأتي يوم ينضب فيه أو يأتي يوم لا يكون فيه هو سلعة الطاقة الأهم في العالم، من الخطأ أن نرهن مستقبل أجيالنا لتقلبات أسواق النفط.. ومضارباتها.. وبورصاتها لا بد لحكومات المنطقة أن تفكر بما بعد اقتصاد النفط من اليوم.. لا بد من إعادة النظر في المنظومة التشريعية والإدارية والاقتصادية بشكل كامل للابتعاد عن الاقتصادات المعتمدة على النفط.. لا بد أيضا من تكثيف الاستثمارات في قطاعات المستقبل كالطاقة المتجددة وغيرها.. لا بد من وضع بنية تحتية تنظيمية ومادية قوية لبناء اقتصادات رقمية حتى تخرج لنا شركات كجوجل وأوبر وفيسبوك وأبل من منطقتنا ولقيادة اقتصاد منطقتنا. يزعجني كثيرا الحديث عن أسعار النفط.. ونسيان الصورة الأكبر وهو بناء اقتصادات قوية بعيدة عن تقلبات النفط.. وأتمنى من الحكومات أن تأخذ هذا الموضوع على أنها مسألة بقاء ووجود وليس مسألة تطوير وتحسين اقتصادي جانبي. حقائق اقتصادية * صاحب السمو.. ما هي رؤيتكم للاقتصاد العالمي.. وهل هو في بداية الخروج من عنق الزجاجة أم بداية الدخول في ركود طويل؟ - لست محللًا اقتصادياً.. ويمكنكم بالتأكيد الحصول على إجابة أفضل من المتخصصين، ولكن ما أعرفه من خلال خبرتي بأنه من الخطأ الكبير أن تعتمد الحكومات فقط على ما يقوله المحللون الاقتصاديون ومتابعو الأسواق الدولية وأصحاب التقارير المسؤولة عن المؤشرات.. الاقتصاد العالمي خلال الأعوام العشرة القادمة هو غير الاقتصاد العالمي خلال العشرة السابقة.. ولذلك مهمة الحكومات هو التنبؤ بهذا المستقبل.. والاستعداد له.. ليس المهم هو تقلب الاسواق الاقتصادية الحالية... المهم هو ما هي القطاعات التي ستقود اقتصاد العالم خلال السنوات القادمة، حتى نكون ضمن هذه القطاعات من اليوم. من كان يظن قبل عشر سنوات مثلًا أن شركة مثل أبل سيبلغ حجمها أكبر من شركات نفط عمرها أكثر من مائة سنة.. شركة مثل أوبر هي الأكبر عالميا في مجال النقل وهي لا تمتلك أية سيارات أو سائقين.. وقيمتها تتجاوز 50 مليار دولار.. وعمرها عدة سنوات فقط. هل تعرف أن متوسط عمر الشركات في قائمة الخمسمائة شركة الأكبر عالميا كان 75 عاماً، أما اليوم وفي عالم سريع التغير والتفاعل، فإن متوسط أعمار الشركات في هذه القائمة هو 15 عاماً فقط. الاقتصاد العالمي يمر بطفرات اقتصادية لا بد من الانتباه لها والبناء عليها.. إذا لم تنتبه الحكومات لذلك ستظل متخلفة عن غيرها.. اليوم مثلا الأصول غير المرئية أهم من الأصول المرئية.. هل تعلم أن 80% من أصول الشركات الخمسمائة الأكبر عالميا هي في أصولها غير المرئية كالأبحاث والدراسات والاختراعات.. و20% لأصولها المادية.. وقبل 40 سنة فقط كانت النسبة بالعكس تماما. وليس سراً أن حكومات أميركا وأوروبا تصرف مجتمعة سنوياً أكثر من 250 مليار دولار من الأموال الحكومية على الأبحاث والتطوير لتبقى في مواقع الريادة العالمية. بل إن دولة مثل بريطانيا تصرف من ميزانيتها سنوياً على البنية التحتية غير المرئية كاستحداث الأنظمة والتدريب والأبحاث والتطوير أكثر مما تصرفه على البنية التحتية المرئية من شوارع وأنفاق ومبانٍ وغيرها. لا بد يا أخي أن تدرك حكوماتنا العربية هذه الحقائق الاقتصادية الرئيسية التي غيرت وستغير من اقتصاد العالم بشكل مستمر.. هذه الحقائق أهم بكثير من التقارير التحليلية اليومية لأنها تجعل الحكومات قادرة على الاستعداد للمستقبل بدل أن تأتي أجيال جديدة تتفاجأ بواقع جديد لا تستطيع التكيف معه، ولا تمتلك أدواته ومهاراته، ولا تحسن العمل في بيئته. وبالتالي تظل دولنا خارج السباق الحضاري. عطاء الإمارات يعم العالم * صاحب السمو.. أطلقتم قبل حوالي الشهر «مبادرات محمد بن راشد العالمية» وتستهدف 130 مليون إنسان.. والتي نظر لها البعض على أنها مشروع تنموي جديد للمنطقة.. ونظر لها البعض الآخر على أنها أداة أخرى لتقوية الوضع الإقليمي والقوة الناعمة لدولة الإمارات؟ ما الهدف من هذه المؤسسة الجديدة؟ - المؤسسة الجديدة ليست جديدة في الواقع.. هي مظلة تجمع كافة مؤسساتنا التي أطلقناها خلال السنوات السابقة «حوالي 28 مؤسسة تنموية وإنسانية».. والهدف منها توحيد الجهود.. وتركيزها لوضع مشروع تنموي للمنطقة العربية.. هدفنا سيكون خلال السنوات القادمة التركيز على تنمية المنطقة العربية.. والمؤسسة تنموية وإنسانية بالدرجة الأولى تستهدف غرس أمل جديد للمنطقة.. حيث تغطي المؤسسة الاحتياجات الاساسية كالغذاء والدواء والإغاثة.. بالإضافة للتعليم حيث نستهدف دعم تعليم 20 مليون طفل.. كما سنستثمر 600 مليون درهم في نشر ثقافة التسامح التي يحتاجها عالمنا العربي اليوم بالإضافة لدعم وتدريب 50 ألفا من رواد الأعمال الشباب لخلق نصف مليون فرصة عمل.. وأيضا توفير حاضنات ابتكار لحوالي 5000 من المبتكرين والباحثين العرب.. وكل هذه الأرقام هي بداية حيث سنعلن تباعا عن مبادرات كبرى أيضا ضمن مشروعنا التنموي الخاص بالوطن العربي. من يعرفني ويعرف تاريخي يعلم بأني لا أستخدم مبادراتي الإنسانية لأي غرض سياسي أو عائد اقتصادي.. ولا نفرق في العطاء لأية أسباب دينية أو طائفية أو عرقية أو غيرها.. فمبادراتنا السابقة غطت بحمد الله 116 دولة حول العالم في كافة المجالات التعليمية والصحية والإغاثية والبنية التحتية وغيرها.. ولم نستخدم اي منها لبناء مجد شخصي أو قوة ناعمة أو غير ذلك... بل لأننا نؤمن أن من يدير ظهره لآلام أخيه الإنسان لا يستحق شرف الانتماء للبشر. ونسأل الله أن يتقبل منا ومن غيرنا جميع هذه الأعمال. الاتحاد