محمد بن زايد يشهد محاضرة "أبوظبي بين الأمس واليوم .. انطباعات شخصية".

شهد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة المحاضرة الرابعة في مجلس سموه الرمضاني بعنوان "ابوظبي بين الأمس واليوم ..

انطباعات شخصية" والتي ألقاهها الدكتور زكي نسيبة المستشار الثقافي في وزارة شؤون الرئاسة.

حضر المحاضرة سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان ممثل الحاكم في المنطقة الغربية ومعالي محمد أحمد المر رئيس المجلس الوطني الاتحادي وسمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني نائب رئيس المجلس التنفيذي لامارة أبوظبي وسمو الشيخ نهيان بن زايد آل نهيان رئيس مجلس أمناء مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية والفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية وسمو الشيخ حامد بن زايد آل نهيان رئيس ديوان ولي عهد أبوظبي وسمو الشيخ خالد بن زايد آل نهيان رئيس مجلس إدارة مؤسسة زايد العليا للرعاية الإنسانية وذوي الإحتياجات الخاصة وسمو الشيخ الدكتور سلطان بن خليفة آل نهيان مستشار صاحب السمو رئيس الدولة وسمو الشيخ محمد بن خليفة آل نهيان عضو المجلس التنفيذي ومعالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع ومعالي الشيخ أحمد بن سيف آل نهيان ومعالي الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان رئيس دائرة النقل رئيس هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة .

وكشف المحاضر عن نقطتين تاريخيتين عاصرهما في بداية المسيرة التبستا على الكثير بالنسبة لتلك المرحلة التأسيسية ..الاولى هي الاعتقاد الخاطئ بأن بريطانيا كانت وراء فكرة اقامة الاتحاد والواقع هو أن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه كان المحرك الرئيس وراء ذلك المشروع التاريخي برغم تحفظات الكثير من المسؤولين البريطانيين حول امكانية نجاحه خاصة أن معظم مراكز القوى الداخلية والخارجية انذاك كانت تعارض المشروع واقعا وتضع العراقيل امامه وتشكك في جدواه بالرغم من القبول الظاهري به ..موضحا أن الشيخ زايد وحده من بين قادة المنطقة هو الذي لم يتردد يوما في ايمانه العميق بضرورة نجاح الاتحاد.

وقال ان المفهوم الخاطئ الثاني هو أن الاتفاق الثنائي واعلان دبي 1968 مهدا الطريق بيسر وعلى وجه السرعة لقيام دولة الاتحاد والحقيقة أن هذا الاتفاق لم يكن سوى نقطة بداية لمسيرة طويلة وشاقة كانت تهدد كل لحظة بالانهيار وتطلبت من الشيخ زايد جهودا جبارة بما عرف عنه من صبر وحكمة يبذلها مع الآباء المؤسسين ومع دول الجوار قبل وبعد اقامة الاتحاد .. وبرغم كل ذلك بقيت توقعات معظم المراقبين والدبلوماسيين لتلك الفترة التي استمرت حتى نهاية السبعينات بأن هذا المشروع لن يتحقق له النجاح.

وأوضح الدكتور زكي نسيبة انه في العام 1961 أثناء جولة للشيخ شخبوط رحمه الله خارج البلاد يذكر السكان كيف ان الشيخ زايد رحمه الله بدأ على وجه السرعة بشق طريق من الكنكري والجار أراد به ربط المدينة بمنطقة المقطع ظن الجميع آنذاك أن هذا الحلم ضرب من الخيال وسرعان ما توقف المشروع الطموح وطمست معالمه في الرمال المحيطه به حتى جاء يوم أصبح فيه هذا الخط الرفيع في الرمال الشارع الرئيسي في مدينة عصرية كما خطط لها الشيخ زايد.

وقال انه في إمارات اليوم نرى دولة استطاعت ان تبني في فترة قياسية مجتمع الرفاهية والتقدم متألقة بين الشعوب والأمم وقد تبوأت في العديد من المجالات مركزا رياديا على الساحتين الإقليمية والعالمية وقامت بدور مسؤول فاعل على الصعيدين العربي والدولي وتعد اليوم من اهم مراكز الثقل المالي والاقتصادي والمعرفي في العالم.

وقال المستشار الثقافي في وزارة شؤون الرئاسة انه من الصعب أن نواجه هذه الصورة بما كانت عليه أبوظبي في منتصف القرن الماضي فبعد أن مرت بدورات متتالية من الصعود والانحسار استقر الحكم للشيخ شخبوط فعاد الاستقرار في أبوظبي وأرسل أخاه الشيخ زايد الى المنطقة الشرقية ليبدأ مسيرة قيادية فريدة من نوعها في العالم أثارت منذ تلك السنوات الأولى الإعجاب والتقدير وبدأت أبوظبي في الانتعاش من جديد مع تصدير الشحنة لاولى من البترول سنة 1962.

وأضاف نسيبة " اثناء زياره عائلية الى مدينة أبوظبي في سنة 1964 خلال إجازته المدرسية من بريطانيا نزلنا في مطار دبي وتوجهنا في سيارة جيب عبر طريق صحراوي غير معبد يمر بجبل علي ومن ثم بمناطق سبخة ورملية بمحاذاة البحر حتى الوصول الى برج المقطع وبعد ذلك عبرنا الى الجزيرة على جسر من الحجارة والطين ..وعند الوصول الى المدينة كان قصر الحصن المهيب المبنى الحجري الوحيد بشموخه بين بعض الأبنية الصغيرة من الطين والحجر ومنازل العريش بجانب البحر وإنني اجزم لو سألت عرافا يومها أتى في مستقبل الأيام لهذه القرية ان تكون عاصمة متطورة مزدهرة تضاهي أعظم العواصم تقدما في العالم لإتهمني بالهذيان".

وقال "عدت الى أبوظبي سنة 1967 وكان السفر يتم بعد الحصول على شهادة عدم ممانعة من الخارجية البريطانية والهبوط في مدرج جديد بجانب مبنى صغير لمطار البطين وكان ينقص المدينة آنذاك معظم البنى التحتية الضرورية وسكنت في معسكر شركة العائلة في المنطقة الصناعية آنذاك وكانت الشركة قد أكملت بناء المشروع الاول لجلب المياه من الساد الى أبوظبي ومن خلال ترددي على فندق الشاطئ تعرفت على الكثير من رجال الإعلام الزائرين وبدأت العمل معهم مراسلا بالقطعة" ..مشيرا الى اهتمام الصحافة العالمية انذاك بتولي الشيخ زايد رحمه الله الحكم ورؤيته بان يرى الجميع ينعمون بالرفاهية في بلاده وعلى تعزيز الصداقة والتعاون بين دول الخليج وعلى تقوية مركز ابوظبي في العالم.

ووأوضح ان أولى مقالاته سنة 1968 كانت حول خطة ابوظبي الخمسية التي أعدت لتلبية الاحتياجات الملحة لشعب الإمارات ولمساعدة الدول الصديقة والشقيقة ..مشيرا إلى أن عمق الوجدان الإنساني في فكر وعقيدة الشيخ زايد كان دائما من ابرز المكونات الرئيسية في قيادته التاريخية وهي لاتزال نفسها السمات المحددة لقيادة الإمارات اليوم التي تتصدر العالم في العطاء.

واضاف ان التاريخ يسجل ان رؤى الشيخ زايد الإنسانية كانت مجردة من كل حساب نفعي ومعنية بجلب البهجة والسرور والخير لكل من حوله وكان المعتمد البريطاني كروفورد قد اعترف في تقرير بتاريخ 1969 ان الذين يتخوفون من الشيخ زايد لسخائه الجزيل ويعتقدون ان له من وراء ذلك مآرب لا يعرفون ان فطرته هي في العطاء بدون توقع مردود.

وقال المستشار الثقافي في وزارة شؤون الرئاسة " انني عاصرت ذلك كغيري شخصيا في الآلاف من الحالات التي استطاع فيها الشيخ زايد ان يضيء شمعة امل وبهجة في حياة كل محتاج او منكوب سواء كان طفلا او اسرة او شعبا بأكمله على سبيل المثال لا الحصر مع العديد من الدول الشقيقة والصديقة ومع مئات المرضى في مستشفيات سويسرا وامريكا ولندن حيث نزل الشيخ زايد رحمه الله فأمر بدفع نفقات كل محتاج منهم ومع الرئيس كارتر الذي تعاون معه في اعمال خيرية في افريقيا فذكر لي انه لم يزر قرية نائية او مدينة صغيرة هناك دون ان يترك فيها عملا خيريا كمدرسة او مستوصف او ملجأ ايتام كان الشيخ زايد قد تبرع به حتى المنطقة الصحراوية النائية في رحميرخان التي اصبحت بعد ان اتخذ الشيخ زايد رحمه الله مقرا لرحلة الشتاء مدينة عصرية مترامية الأطراف حفر فيها الآبار للمزارعين وبنى لهم المساكن والمطار والمستشفى وكان الشيخ زايد يفرح عند لقائهم والسؤال عن احوالهم وحتى الطير والإبل والماشية والمرعى كانت محل اهتمامه".

وذكر " في سنة 1969 تعرضت امارة ابوظبي لأول هزة مالية بسبب وتيرة الإنفاق وانخفاض ريع البترول وكعادتها روجت الصحافة الأجنبية ان ابوظبي على وشك الإفلاس ونفى الشيخ زايد ذلك في مقابلة صحفية حضرتها أكد خلالها ان تلك الأزمة لن تغير شيئا في استراتيجيته في الإنفاق بسخاء لبناء دولة الاتحاد ولتعميم الرخاء على شعبه او لمد يد العون الى الدول الصديقة والمحتاجة ولقد تكررت الصورة ذاتها في سنة 1973 عندما استدان الشيخ زايد رحمه الله من البنوك الدولية اثناء زيارة له كنا نرافقه فيها الى بريطانيا لكي يرسل المستشفيات الميدانية والمولدات الكهربائية والمساعدات الإنسانية الى جبهات القتال في سوريا ومصر".

وتحدث المحاضر عن ان الاهتمام الثاني للصحافة العالمية انذاك كان حول الأوضاع الإقليمية السياسية والأمنية المتردية في المنطقة مستذكرا زيارة الوزير البريطاني سنة 1968 ليبلغ حكام الإمارات ان حكومته سوف تتخلى عن حماية الخليج عندما كثر الحديث بين الإعلاميين حولنا عن الفراغ الأمني وانهيار الإمارات.

وقال " اذكر ان الشيخ زايد رحمه الله اعرب بنبرة واثقة في اول مقابلة تلفزيونية اجريتها معه انذاك في مجلس باحة قصر الحصن عن قناعته الراسخة ان الطريق نحو المستقبل سوف يقوم على بناء الاتحاد" ..وأضاف ان ثقة الشيخ زايد المطلقة في امكانية قيام الاتحاد تلبي احتياجات المنطقة في الأمن والاستقرار جعلته في سنة 1969 يبلغ وفدا بريطانيا كنت قد اصطحبته لمقابلته في مدينة العين بانه لا حاجة لحكومة جديدة ان تؤجل الانسحاب العسكري لأنه واثق من قيام اتحاد قادر على حماية نفسة بالتعاون مع الحلفاء والأصدقاء ولقد كرر المقولة نفسها مع شاة ايران عندما عرض الأخير مساعدته العسكرية لنفس الغرض بعد قيام الاتحاد".

وذكر المحاضر ان الشيخ زايد رحمه الله توجه بعد الإعلان البريطاني مباشرة ليقابل الشيخ راشد ويبلغه بضرورة تشكيل الاتحاد ..وقال الشيخ راشد في اول رد فعل له " يا شيخ زايد كيف نبنى دولة تكفل حماية الأمن والاستقرار اين نجد الشرطة وجيشا لهذا الاتحاد فأجابه الشيخ زايد لدينا المال ولدينا العزم ووحدة المصير وسوف نجد الرجال".

وسلط المحاضر الضوء على نقطتين تاريخيتين عشنا ظروفهما وقد التبستا على الكثير بالنسبة لتلك المرحلة التأسيسية حيث يعتقد البعض ان بريطانيا كانت وراء فكرة اقامة دولة الاتحاد الحقيقية هي غير ذلك فان المحرك الرئيسي لهذه الفكرة والقائد التاريخي الذي اتى به القدر في لحظة مصيرية هو بدون ادنى شك الشيخ زايد رحمه الله الذي كان يسير في ذلك على خطى الشيخ زايد الأول وكان قد عبر في حديث له مع وليام لوس في مدينة العين منذ سنة 1964 عن رغبته في اقامة اتحاد بين الإمارات السبع لكن رد الفعل البريطاني كان غير مشجع ..على العكس بدأ بعض المراقبين الإنجليز ينظرون الى صعود نجم الشيخ زايد كعائق في التعاون بين امارات الساحل.

وذكر المحاضر ان الشيخ زايد وحده من بين قادة المنطقة كان يؤكد ثقته في اقامة الاتحاد بالرغم من ان معظم مراكز القوى الداخلية والخارجية انذاك كانت تعارضه وتضع العراقيل امامه وتشكك في جدواه بالرغم من القبول الظاهري له حتى من بين المقربين منه .

وأوضح أن المفهوم الخاطئ الثاني في قصة الاتحاد هو ان الاتفاق الثنائي الأول بين الآباء المؤسسين وما تبعه من اعلان اقامة الاتحاد التساعي مهد الطريق بيسر وعلى وجه السرعه لقيام دولة الاتحاد وهذا الانطباع يقلل من حجم الجهود الجبارة التي قام بها الشيخ زايد رحمه الله بما عرف عنه من صبر وحكمة وحنكه والتي بذلها مع اخوانه من الآباء المؤسسين ومع دول الجوار خلال سنوات طويلة وشاقة قبل وبعد اقامة الاتحاد.

وأكد نسيبة ان الاتفاق التاريخي الأول تبعته سنوات طويلة من المباحثات الشاقة التي كانت تنذر كل لحظه بالانهيار ..مشيرا الى ان المعتمد البريطاني في البحرين كتب بعد قمة دبي مباشرة ان حاكم البحرين لا يعتقد في امكانية نجاح المشروع وردد الكلام نفسة ادوارد هندرسون المعتمد البريطاني في قطر انذاك وهو مسؤول بريطاني توفاه الله في ابوظبي بعد ان خصص له الشيخ زايد بيتا ومعاشا هنا ..ويذكر للشيخ زايد رحمه الله انه كان دائما يسألنا عن احوال الأشخاص الذين عملوا معه في الخليج في السنوات الصعبة وعن احتياجاتهم لييسر لهم احوالهم.

وقال ..كنا نحن مع وفود الإعلام العالمية نتابع سلسة اجتماعات الحكام ونواب الحكام التي تلت لقاء السمحة باحباط شديد لأنها مليئة بالخلافات العلنية حتى عام 1971 الذي عاد الى قاعدة اتفاق تاريخي ثنائي جديد بين الشيخ زايد والشيخ راشد.

واضاف ان تشكيل اول حكومة اتحادية لم تنه الخلافات والصعوبات وقد عكست هذه الصورة المتشائمة العديد من تعليقات الصحف العالمية في تلك الفترة وكان هذا ايضا تقييم الولايات المتحدة الأمريكية كما شرحه مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق بريجنسكي في حديث مع مسؤول اماراتي قمت بالترجمه له انذاك.

وقال انه وفي نهاية فترة الخمس سنوات الاولى أعلن الشيخ زايد رحمه الله رغبته في عدم التجديد لولاية جديدة كرئيس للاتحاد ..شكا الشيخ زايد هذا الوضع في حوار علني نظمناه انذاك مع الصحافة وسافر بعد ذلك مباشرة وعاد الى البلاد حيث شهد مطار ابوظبي زحف الاف المواطنين تطلب منه العدول عن الاستقالة ومرة اخرى تم التغلب على هذه الازمة المصيرية عن طريق توافق جديد بين الاباء المؤسسين.

واوضح المحاضر انه بالرغم من عودة الشيخ زايد رحمه الله الى تولي رئاسة الاتحاد بقيت الخلافات والمشاكل الداخلية والخارجية مستمرة حتى نهاية السبعينيات ..ومرة أخرى اجتهد الآباء المؤسسون وتولى الشيخ راشد رحمه الله رئاسة مجلس الوزراء وبدأت بذلك مسيرة جديدة من التعاون الوثيق وأصبح العالم لاول مرة يشعر أن الاتحاد قد تخطى سنوات الخطر.

وذكر المحاضر ان أحد المسؤولين عقد اجتماعا في اوج حدة الخلافات نقل فيه كلام الشيخ زايد للحضور "كلنا شركاء بالتساوي .. لا نفرض رأيا على أحد ونقدر ظروف كل منكم ولا يثنينا أي خلاف عن التعاون الوثيق في مصير الوطن الواحد وليس للشيخ زايد أي طموح ورغبة في سلطة او ثروة أو منصب".

وقال انه مع دخول الاتحاد مرحلة النضج السياسي في نهاية السبعينيات توالت الازمات الخارجية من حروب ومواجهات وكوارث بدأت بحرب الخليج الاولى واستمرت حتى اخر مبادرة دبلوماسية للشيخ زايد رحمه الله لانقاذ العراق في 2003 ..مشيرا إلى أن للشيخ زايد في كل مرحلة منها وفي كل يوم مواقف وسياسات تاريخية تحتاج الى دراسة وتمعن وان جامعة هارفارد على سبيل المثال بصدد إعداد مساق خاص حول مهارات الشيخ زايد التفاوضية ليدرس في كلية العلاقات الدولية لادارة الازمات.

واوضح بانه في زمن عربي مظلم نعيشه اليوم هناك حاجة ملحة لاستخلاص العبر من مسيرة الشيخ زايد رحمه الله وللبحث في طبيعة الوصفة السحرية لنجاح دولة الامارات ..ماهي السمات الملهمة في عبقرية زايد الذي وصفه مؤرخ بأنه تعامل مع مهارات رجل الدولة بتوجه تسكنه محبة الانسانية؟ ..

ما هي صفاته كزعيم تاريخي عمل دائما على جمع الكلمة وعلى القيادة بالقدوة كرجل التنمية ورجل التنوير والتقدم الملتزم بالجذور والتراث؟ ..كيف استطاع أن يصل هوية المواطنة الاماراتية الجامعة مع الحفاظ على خصائص المجتمع القبلي؟ ..كيف كانت عقيدته حول دور المرأة المحوري في المجتمع والتنمية؟ وما هو دور المرأة في قصة نجاح الامارات؟ .. وما هي ابعاد الانسنة في فكره وعقيدته؟ .. وكيف كانت نظرته الكونية للديانات؟ ..ما هي خصائص سياسته الخارجية الخارقة لكسب الاصدقاء والحلفاء؟ .. وما هو دورها في نجاح الدولة؟.. كيف نجح في تحصين السيادة والمنعة لبلاده ولشعبه بترسيخ مفاهيم التسامح والتآزر والتعاون لتعمير الارض؟.. كيف جمع بين كراهية الحروب كمدمرة للبشر مع الوقوف بصلابة وحسم لمواجهة الظلم والعدوان؟ .. فوق كل شيء كيف استطاع أن يسكن افئدة الملايين من البشر؟.

وقال ..كان الشيخ زايد رحمه الله يأسر مخيلة وعقل كل من تحدث إليه بأسلوبه الفريد ..رؤساء الدول الذين اشادوا بالشيخ زايد كحكيم العرب وحامل لواء الانسانية والتقدم ..مندوب بابا الفاتيكان الذي سمع منه ما ذكره القرآن الكريم في سورة مريم فخرج يقول إن هذا القول اجمل وأسمى ما سمعه ..وزير الدفاع الامريكي الذي خرج من لقاء الشيخ زايد رحمه الله يقول إنه لاول مرة يلتقي برجل دولة استثنائي يستعمل لغة الشعر للاقناع بقوة الحجة والمنطق ..رئيسة وزراء بريطانيا التي خرجت من اجتماع تقول إن الشيخ زايد في دفاعه عن كرامة وحقوق المرأة متقدم على كل من عرفت ..الاطباء الامريكيون الذين حرصوا على كتابة كل ما حدثهم به الشيخ زايد من آراء حول الحياة والتقدم لان رؤيته كما ذكروا ملهمة لكل زمان ومكان.

واضاف ان الشيخ زايد رحمه الله يأسر قلوب كل من حوله بجميل أفعاله عندما أبلغه مسؤول في بداية عهده أن رئيس القضاء الشرعي حكم بدية متدنية لقتيل هندوسي بحجة أنه غير مسلم غضب الحاكم العادل رافضا الحكم قائلا اليس القتيل بإنسان مثلنا مثله ..وعندما هرعت الشرطة لتعنف سائقا اصطدم بسيارة الحاكم بغير قصد نهرهم قائلا يكفيه زجرا ما أصابه من خوف وهلع عندما عرف من نحن.

واختتم محاضرته بالعودة الى واقعة اعتبرها رمزية ..في سنة 1969 كان الشيخ رحمه الله في مجلس خاص في مدينة مالاغا يتابع مع مرافقيه على شاشات التلفزيون خبر نزول الانسان الاول على سطح القمر ..واستقبل المرافقون الصور الحية بالسخرية والاستهجان قائلين إن في الامر خدعة ..وأجابهم الشيخ زايد رحمه الله أن الانسان قادر على كل شيء بمشيئة الخالق واقتنعوا كما كان عهدهم معه دائما ..أكاد اراه اليوم في ثراه الطاهر مبتسما وهو يتابع خبر مسبار الامارات يحجز مكانا للعرب على الكوكب الاحمر لتنمية الارض والانسان.

وأفاد نسيبة بأن هناك معالم كثيرة حددت ملامح عمل زايد أولها قناعته بضرورة قيام اتحاد الإمارات العربية المتحدة وجمع أبناء الإمارات كلهم تحت راية الدولة ..مضيفا أنه كان يشعر بأن عليه ان يسعد شعب الإمارات وإعلاء شأن المواطن من خلال بناء وطن مبني على التماسك والوحدة.

وذكر انه في العام 1968 كانت تجربته الأولى في دخول القصر قائلا "أتيحت لي فرصة تاريخية لإجراء حوار تلفزيوني مسجل لمخرج بريطاني مع الشيخ زايد وكان ذلك في باحة القصر الداخلية وارتعدت في بادئ الأمر من مواجهة الشيخ زايد في لقاء صحفي وهو الحاكم العربي الذي صار اسمه أسطورة تتردد على لسان الجميع وأذكر أنني وصلت إلى البوابة الخشبية لقصر الحصن ومعي فريق التصوير ودخلنا في اتجاه الباحة المظللة بالأشجار داخل القصر وكان الشيخ زايد يجلس على أريكة خشبية ويحيط به لفيف من رجال القبائل والأعيان والزوار وكان المنظر يدخل الرهبة في النفس عند الاقتراب من هذه الشخصية الأسطورية التي كانت تشع بهالة من الصلابة والسلطة والجاذبية القيادية".

واستكمل نسيبة ذكرياته قائلا "عندما دخلنا المجلس وأدينا التحية فإذا بالحاكم العربي الجليل يقف لملاقاتنا ويصافحنا جميعا ثم يخبرنا أنه جاهز لإجراء الحديث التلفزيوني وكشفت المقابلة بشكل واضح مهارة الشيخ زايد المشهودة في نقل الأفكار والآراء بشكل مقنع وجذاب".

وروى زكي نسيبة أكثر من قصة من لقاءات زايد مع بعض قادة العالم ومنهم الرئيس الفرنسي ميتران والشاعر سنغور رئيس السنغال ولكن أجمل هذه القصص جرت في اليابان حيث حددت المراسم أن لقاء الإمبراطور مدته ثلاث دقائق لأنه لا يحب الحديث ولكن اللقاء استمر 30 دقيقة وهذا يبي ن مدى ذكاء الشيخ زايد ولطف لقائه وحديثه.

واستشهد المحاضر بحادثة تؤكد دبلوماسية المغفور له الشيخ زايد حيث كان في احدى جلساته غاضبا جدا من دولة معينة وكان يخاطب الوزير بصوت مرتفع يقول المحاضر لقد نقلت الحديث كما هو وبنبرة الصوت ثم بعد لحظات عاد الشيخ واشاد بالعلاقات الثنائية بين البلدين وقال ان هذا نابع من محبتكم عندنا واخذ بالحديث معه.وام