زايد رجل البيئة وقاهـــر الصحراء

التاريخ هو الهوية الحقيقية للأمم والشعوب، وهناك علامات فارقة في تاريخ الشعوب والدول لا يتشابه ما قبلها مع ما بعدها، كما في تاريخ الثاني من ديسمبر 1971، الذي يمثل في حقيقته جوهر تاريخ دولة الإمارات، واللبنة الأساسية التي بنيت عليها أسس قيام الدولة وتطورها ونموها، واستناداً إلى أهمية هذا التاريخ، وإلى حقيقة أن «تاريخ الإمارات المشرق لا يقل أهمية عن حاضرها الزاهي»، جاءت مبادرة «1971»، التي أطلقها سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، بهدف الإسهام في توثيق تاريخ الدولة في جميع المجالات.

في ظل الاحتفالات بيوم الأرض والبيئة، والحديث عن الاستدامة بكل أشكالها؛ لابد أن يذكر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، رحمه الله، رجل البيئة الأول، والداعي دائماً للاستدامة والحفاظ على الموارد الطبيعية، لأن سر شخصية الشيخ زايد وتفردها، يكمن في أنه لم ينس يوماً جذوره الصحراوية، ولا إيمانه الإسلامي، ولا شغفه بالرياضة التقليدية والحفاظ على الطبيعة، بحسب ما وصفته صحيفة التلغراف البريطانية.

خلال رحلته من القلعة في العين إلى قصر الحاكم في أبوظبي وصولاً إلى رئاسة الدولة، اكتسب الشيخ زايد الكثير من الخبرات لمواجهة التحدي الكبير الذي طالما واجهه، وهو المحافظة على التوازن بين الإنسان وبيئته الطبيعية. في هذا الاطار؛ يقول ثاني بن عيسى بن حارب: «كان يفقه جيداً أهمية التوازن بين الإنسان وبيئته الطبيعية، ويحرص على هذا التوازن، ليس لأن في ذلك كسباً اجتماعياً له؛ وإنما لانه عرف أهمية ذلك التوازن، وضرورته من واقع الحياة التي عاشها».

كان الشيخ زايد يرى أنه «إذا ذهبت المياه هدرا، وجفت الأرض، وغابت المواسم فالناس إلى موت محتوم». ولعل ما يميز الشيخ زايد، بين كثير من الذين يطرحون أنفسهم حماة للبيئة والحفاظ عليها، بحسب ما يذكر الكاتب غريم ويلسون في كتابه «زايد رجل بنى أمة»، هو عمق إيمانه بما يشبه قدسية المحافظة على البيئة، وما رسخ قناعاته البيئية هو أن حمايتها والحفاظ عليها ليس مستحيلاً، ولم يكن مؤمناً بحتمية التصحر ولا بديمومته. هناك الكثير من القصص التي تعكس ارتباط الشيخ زايد بالطبيعة والشجر بشكل خاص، فقد كان يربطه تآلف وطيد بالشجر، وعندما غادر منزله في العين وانتقل إلى أبوظبي 1966، لم يقطعه هذا الانتقال عن جذوره، وكان جناحه الخاص في الدور الأول من قصر البحر يطل على حديقة من نافذة واسعة أشبه بالشرفة المفتوحة، وقد زرع الشيخ زايد في هذه الحديقة أنواعاً من الأشجار المحببة إليه، بما في ذلك النخل وأشجار اللوز المثمرة، والمانجو والليمون، وهي الأشجار التي اعتاد الإماراتيون زراعتها حول بيوتهم منذ وقت طويل، وكان يشعر براحة عندما يرى هذه الأشجار، كما ذكرت وزيرة الشؤون الاجتماعية د. مريم الرومي، في مقابلة نشرت في «زايد رجل بنى أمة». موقف آخر يروى في هذا السياق؛ عندما كان الشيخ زايد في سيارته يرافقه أحد ضيوف الدولة، عندما رأى شجرة كبيرة وارفة، لكنها مائلة إلى جانبها حتى تكاد أن تهوي، فأوقف سيارته، وسط دهشة الضيف، واتصل عبر هاتف سيارته، بالمسؤولين في القصر، طالباً من يهتم بالشجرة ويعيد تثبيتها في التربة، بما يضمن سلامتها واستمراريتها. وخلال جولة تفقدية لمشروعات تطوير مدينة العين، ومن بينها مشروع إنشاء أحد الطرق الجديدة، لاحظ الشيخ زايد أن واحدة من أقدم أشجار العين تقع في مسار الطريق، وعلم أن من المقرر قطع الشجرة لكي يمر الطريق مكانها، فاستدعى القائمين على المشروع، وأمر بترك الشجرة مكانها، وجعل الطريق ينقسم إلى مسربين يمران عن جانبيها ثم يعودان فيلتقيان بعد موقع الشجرة، فقد كان شعاره دائماً «اقطع طريقاً ولا تقطع شجرة».

ومنذ إنشائهما؛ لم يكن صندوق أبوظبي ولا مؤسسة الشيخ زايد يتوانيان عن المساعدة في عدد غير قليل من البلاد التي تعاني وباء قطع الأشجار، لكن الشيخ زايد وجد حلاً جزئياً على الصعيد المحلي، موضحاً: «لا نريد أن نكتفي بالمحافظة على الشجرة الموجودة فقط، بل نريد أن نزرع إلى جانبها شجراً كثيراً». وتطبيقا لهذه المقولة، أمر منذ مطلع رئاسته بزراعة ما أمكن من الأشجار في أوسع ما يمكن من المساحات». وكان دأبه؛ إلى جانب إنجازاته في استصلاح الأراضي الزراعية لإقامة آلاف المزارع الجديدة عليها، التي كان يشدد على زراعة الأشجار فيها بكثرة، كان يصر على إحاطة كل جوانب الطرقات ومحاورها بالأشجار الخضراء، إلى جانب حرصه على إنشاء الحدائق العامة، والمراعي الخضراء في سائر أرجاء الإمارات، كما زرع آلاف الكيلومترات المربعة بالأشجار والنباتات الصحراوية التي تنمو عادة في الأراضي الساحلية ذات التربة المالحة. وفي إشارة إلى اهتمام المغفور له الشيخ زايد بالزراعة والبيئة، وحرصه الشديد على زراعة أكبر مساحة ممكنة من الإمارات، يذكر وزير الزراعة والثروة السمكية السابق، سعيد الرقباني، أنه يستحيل على أي شخص أو جهة أن يعطي رقماً ولو تقديرياً لعدد الأشجار التي نثرها الشيخ زايد في كل مكان من أرجاء الإمارات وخارجها، لكن بعض التقديرات يشير إلى أن العدد قد يتراوح ما بين 100 مليون و150 مليون شجرة، فكان الشيخ زايد لديه قناعة راسخة بأن الأشجار ليست أقل أهمية على صعيد البنى التحتية المدنية من الطرقات والأبنية.

أرقام وأحداث

21

محمية طبيعية أعلن عنها رسمياً في الإمارات وتشكل 7% من مساحة البلاد.

2001

قدمت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة «ميدالية اليوم العالمي للأغذية» للشيخ زايد.

1998

تم الإعلان عن محمية رأس الخور في دبي محميةً بحريةً رسمياً، وتضم نحو 266 نوعاً من الحيوانات، و47 نوعاً من النباتات.

2007

تم اعتماد جزيرة مروح ضمن برنامج اليونسكو «الإنسان والمحيط الحيوي»، لتصبح بذلك أول محمية في الدولة تُضم إلى شبكة المحميات العالمية المكونة الآن من 507 محميات.

من أقوال زايد

«إننا نولي بيئتنا جل اهتمامنا، لأنها جزء عضوي من بلادنا وتاريخنا وتراثنا، لقد عاش آباؤنا وأجدادنا على هذه الأرض، وتعايشوا مع بيئتها في البر والبحر، وأدركوا بالفطرة وبالحس المرهف الحاجة للمحافظة عليها، وأن يأخذوا منها قدر احتياجهم فقط، ويتركوا فيها ما تجد فيه الأجيال القادمة مصدراً للخير ونبعاً للعطاء»، «وكما أجدادنا كذلك نحن الذين نعيش الآن فوق هذه الأرض المباركة، إننا مسؤولون عن الاهتمام ببيئتنا والحياة البرية واجب علينا، واجب الوفاء لأسلافنا وأحفادنا على حد سواء». «إن حماية البيئة يجب ألا تكون وألا ينظر إليها كقضية خاصة بالحكومة والسلطات الرسمية فقط، بل هي مسألة تهمنا جميعاً، إنها مسؤولية الجميع، ومسؤولية كل فرد في مجتمعنا، مواطنين ومقيمين».

جائزة زايد للبيئة

تعد جائزة زايد الدولية للبيئة التي أسسها ويرعاها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، واحدة من أهم إسهامات الإمارات في مجال حماية البيئة، حيث استطاعت الجائزة خلال عقد من الزمان أن تترك بصماتها على مسيرة المحافظة على البيئة، ما جعلها تأخذ مكانة مرموقة على الساحة الدولية. وتعكس الجائزة التي تحمل اسم المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، المكانة التي تحظى بها البيئة في هذا البلد، والتي تعد حافزاً لتشجيع المبادرات العالمية للمحافظة على البيئة، فهي جائزة تليق بإنجازات الشيخ زايد الذي كانت حكمته التي ارتبطت بالبيئة تنطلق إلى آفاق أبعد من المفاهيم والاهتمامات المحدودة لحماية البيئة.

محمية‭ ‬ صير‭ ‬بني‭ ‬ياس

في‭ ‬إطار‭ ‬اهتمامه‭ ‬بالحياة‭ ‬الطبيعية‭ ‬والمحميات،‭ ‬أنشأ‭ ‬الشيخ‭ ‬زايد‭ ‬جزيرة‭ ‬صير‭ ‬بني‭ ‬ياس،‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬إلى‭ ‬الغرب‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬أبوظبي‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬250‭ ‬كيلومتراً،‭ ‬وتبلغ‭ ‬مساحتها‭ ‬نحو‭ ‬230‭ ‬كيلومتراً‭ ‬مربعاً،‭ ‬أضيف‭ ‬إليها‭ ‬جزيرة‭ ‬صناعية‭ ‬على‭ ‬مساحة‭ ‬10‭ ‬كيلومترات‭ ‬مربعة،‭ ‬لتكون‭ ‬قاعدة‭ ‬للتجارب‭ ‬الزراعية،‭ ‬وقد‭ ‬أصبحت‭ ‬الجزيرة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬طبيعتها‭ ‬صخرية‭ ‬جرداء‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬المحميات‭ ‬الطبيعية‭ ‬في‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭. ‬وحصلت‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة،‭ ‬بجهود‭ ‬زايد،‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬شهادات‭ ‬التقدير‭ ‬والجوائز‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬العالمية‭ ‬والإقليمية،‭ ‬تقديراً‭ ‬لجهودها‭ ‬المتميزة‭ ‬في‭ ‬ميادين‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬وتنميتها‭. ‬وتعتبر‭ ‬الجزيرة‭ ‬اليوم‭ ‬موطناً‭ ‬للآلاف‭ ‬من‭ ‬الحيوانات‭ ‬التي‭ ‬تتجول‭ ‬بحرية‭ ‬كبيرة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ملايين‭ ‬الأشجار‭ ‬والنباتات،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬ملاذ‭ ‬للطيور،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬كونها‭ ‬محمية‭ ‬للحياة‭ ‬البرية،‭ ‬فإنه‭ ‬تستعرض‭ ‬فيها‭ ‬أنشطة‭ ‬مثل‭ ‬رحلات‭ ‬السفاري‭ ‬والمغامرة،‭ ‬والتجديف،‭ ‬وركوب‭ ‬الدراجات‭ ‬الجبلية،‭ ‬والرماية،‭ ‬والمشي‭ ‬والغطس‭.‬

الامارات_اليوم