محمد بن راشد : أنا و"بوخالد" على قلب واحد نحفظ الأمانة

- خيلْ المعاني جَريَها باللَّساني **** والشَّاعر إيسَمَّا لسانِهْ حصانهْ

وأنا علىَ الخيلينْ رَبِّي هداني **** علىَ الرِّمكْ والسابقهْ في بيانِهْ

ترنيمها عزفْ ولحونْ الأغاني **** وتَفخيمها للصافيهْ في دنانهْ


واللِّي هويتهْ وهو هواهْ إهتواني **** منْ عقبْ هجرانهْ تغيَّر زمانِهْ
لاهوُ تريَّا أوْ تهيَّا وجاني **** ولا آنا عشانهْ كنتْ أرضىَ هوانهْ

يامهرةٍ لي بالتِّغَلِّي تباني **** كانتْ نصيبي عَنْ فلانْ وفلانهْ

أغليتها مغلي الغلاَ وجيتْ عاني **** للغاليْ اللِّي في الغلا خَذْ ضمانِهْ

فارسْ حياتهْ في ثباتهْ كفاني **** أثبتْ منْ أثبَتْ ثَبْتْ ثابتْ جَنانِهْ


حصنِهْ حصينْ محصَّنٍ بالعَياني **** متحصِّنْ بحصنِهْ لنارَهْ ودخانهْ
شاهدْ شِهَدْ عنْ محنةٍ وإمتحاني **** عنْ شاهدْ ومشهودْ حانْ إمتحانهْ

وأنا مودِّي دونْ حقٍّ جفاني **** وحاوَلتْ أثني عنْ مسارَهْ عنانِهْ

وعندي دليلْ إنْ ليلْ يظلَمْ هداني **** عينهْ علىَ شعبهْ تباتْ إسْهَرانِهْ

عوني وأخويِهْ وإنْ أناديهْ جاني **** وإذا يناديني ألَبِّي عشانهْ

هذاكْ بوخالدْ وما عنهْ ثاني **** اللهْ رفَعْ قَدرَهْ وبالعَقلْ زانهْ

والوَقتْ في أمرَهْ وطوعْ البناني **** منْ هيبتهْ تموتْ النِّفوسْ الجَبانِهْ

أنا وهوهْ لدارنا بالضِّماني **** عَ قلبْ واحدْ حافظينْ الأمانِهْ

منْ غيرْ شَكْ إنصونْ شَعبٍ مصاني **** ونرِدْ عدوانه ونحفَظْ كيانهْ

ومنْ سالفٍ في الوقتْ عشنا زماني **** معْ جارنا والجارْ أخْلَفْ رهانهْ

والجارْ قَبلْ الدَّارْ جا في المعاني **** وكنَّا نعينهْ وهوٌ لنا في الإعانِهْ

منْ منبَتٍ واحدْ وشَعبْ وكِياني **** دَمْ ولَحَمْ واحدْ وأرضْ وديانِهْ

وتَدري قطَرْ أنَّا لَها ظِلْ داني **** عنْ الغريبْ وعنْ ضعيفْ المكانهْ

ما هي مصالحْ بالسياسهْ تهاني **** ياغيرْ خوِّهْ جارْ والحَظْ خانِهْ

وواجبْ علينا نناصحهْ بِلْعلاني **** إنْ حَطْ لهْ أفعىَ رَمِلْ في ثبانِهْ

والذِيبْ ياكلْ م الكبارْ السِّماني **** ساعَةْ تغادرْ سربها بإستهانهْ

ولكلْ شَيٍّ لوٌ تفكِّرْ أواني **** والجِدْ يا أهلْ الجِدْ هذا أوانِهْ

وآحِسْ أنِّ الوقتْ يكفي وحانِ **** والشَّرْ نسعىَ كلِّنا في دفانهْ

ونرجعْ إلىَ وحدَةْ قلوبْ ومعاني **** نحمي بعضنا دونْ حقدْ وضغانهْ

منْ السعوديهْ لديرةْ عماني **** معْ دولتي لي هيهْ للعقدْ دانهْ

وبحريننا ويَّا قطرْ وآل ثاني **** خليجْ واحدْ يصلحْ الرَّبْ شانهْ

وقالوا عَرَبنا منْ قديمْ الزِّمانِ **** قبلْ الرِّمايهْ يترسون الكنانهْ

وتأبَىَ الرِّماحْ العالياتْ اللِّدانِ **** أنْ تنكسرْ متجمِّعهْ بذاتْ خانهْ

وإذا إتِّفَرَّقْ تنكسرْ في ثواني **** ولا ينفَعْ الرِّمحْ المِكَسَّرْ سنانهْ

لوُ تتركونْ المرجفينْ بمكانِ **** ونحنْ لكٌمْ أقرَبْ منْ أهلْ الرِّطانهْ

وما في المزايَدْ خيرْ يرجيهْ عاني **** وكلْ وقت تدري لهْ صلاتهْ وأذانِهْ

وماهيهْ بالقوَّهْ ولا بالأماني **** ومهما إختلفنا جارنا في أمانهْ

ناخذْ ونعطي وبالتِّحاورْ يباني **** الحقْ ظاهرْ مايبا لهْ فطانه

والدَّربْ واضحْ منهجهْ بالعياني **** والبابْ مفتوحٍ ومحدَّدْ مكانهْ

ودربٍ إلىَ الرحمنْ خيرْ وجناني **** أحسَنْ منْ الشِّيطانْ وأهلْ الشِّطانِهْ

وإنْ مابغيتوا دربنا بإمتناني **** فكلْ واحدْ لهْ طريجهْ وشانهْ

تعد هذه القصيدة التي كتبها صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، من القصائد البليغة ذات المضمون السياسيّ.

وواضحٌ على مستوى الموضوع، أنّ سموّه استثمر في القصيدة ألواناً من البلاغة ليصل إلى غرضه الذي لم يأت متكلفاً أو ثقيلاً، فقد افتخر سموه بدولة الإمارات وسهرها على راحة البلاد وأمنها وأمانها، ثم نقرأ مع سموّه، بكلّ انسياب وتلقائيّة، رسالةً سياسيّةً تبيّن أنّ دولة الإمارات تبقى دائماً الدولة التي ترعى حق الجار من الدول الخليجية وغير الخليجيّة، وهي الدولة التي تنظر إلى العلاقة مع جيرانها بمنظار الأخوّة والصدق والتصافي والمحبّة والإخاء.

ولذلك، فإنّ القصيدة تحمل نصيحةً إلى دولة قطر بألا تنساق أو تنجر إلى هذا الوضع الذي هي سائرةٌ فيه، كما تذكّر بماضي الإمارات وحاضرها ومستقبلها، في التعامل الأخوي الذي لا يمنع في نهاية المطاف من التكاتف الوطني ضدّ الأخطار المستجدّة، وفي ذلك، فإنّ القصيدة تبيّن كثيراً من الأهواء في المنطقة، وهي الأهواء التي أدت إلى مثل هذه الحالة الصعبة لـ «قطر».

أما على مستوى البلاغة الشعريّة واللغوية، فقد استطاع سموه أن يرسم لنا صوراً بليغة في حيازته لخيل المعاني -شبّه المعاني بالخيل التي يمتلك ناصيتها، نظراً لمقدرة سموه العالية في مضمار الشعر- كما ساق لنا ما يحمل معنى المثل القائل «لسانك حصانك، إن صنته صانك وإن هنته أهانك»، كما تتجلّى عبقرية الشاعر في أنّ المعاني خيل تجري على ميدان اللسان، فتلك بلاغة، استهلّها بقصيدة جاءت على وزن «مستفعلن، مستفعلن، فاعلاتن» ذات الطبيعة الموسيقية السريعة التي تدل على عظم الموضوع وأهميته، أما الخيل الأخرى، التي يحوزها صاحب السموّ فهي الخيل الحقيقيّة، والتي تدلّ أيضاً على فروسيّة ونبل وأخلاق كريمة تتضمنها هذه الفروسيّة، حيث الخيل تجري على اللسان، والخيل تجري كذلك على الرمال الفسيحة، وكلاهما أمرٌ يمتلكه أو يستطيعه الشاعر الفارس صاحب اللغة والبيان.

إنّه بيان وعزف حملته قصيدة «الدرب واضح»، حيث نطرب مع صاحب السموّ للألحان والأغاني و«الدنان» الشعريّة الصافية التي تستقبلها العواطف والأذهان بطواعيّة واستحسان وإعجاب.

وفي القصيدة نسير مع عادة سموه في شكوى الهجر وتفسير الحالة، ووصف الأحوال الجديدة، وقراءة الواقع من قبل ومن بعد، لتكون «المهرة» وسيلةً أو رمزاً أراده الشاعر لغرض في نفسه يدل على الافتخار والعلو والرفعة والمجد، إذ إنّ الفرس أغلى ما يملك النبلاء لدلالتها المعنوية، وانطلاقاً من ذلك، فإنّنا ننتقل إلى غرض المديح، حيث الحصن الحصين، وحيث القوة المنيعة، وحيث العين التي تبقى سهرانة على الدولة والشعب، فهو ثناء على الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة «بو خالد»، وهو الذي وصفه صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد بأنّه «من هيبته تموت النفوس الجبانة»، وفي هذا الثناء تتجلّى المنزلة العالية والقدر الرفيع والفداء والتضحية والتكاتف «ع قلب واحد»، لردّ عدوان المعتدي، وثنيه عن هذا الطريق الذي هو سائرٌ عليه.

كما نسير في متن القصيدة المتدرجة إلى وصف الحال أو بيان «الواقع الجديد»، فالإمارات لم تكن تتعامل مع دولة قطر أو غيرها من منطلق المصالح السياسيّة، بل من منطلق قيم الوفاء والأخوّة والتكاتف، بل إنّ الإمارات ظلّت وفيّةً طوال عهدها وكانت تعين «الجار»، على الرغم من أنّ «الجار أخلف رهانه!».

وفي القصيدة تذكير أيضاً بأنّ الإمارات ظلّت لـ «قطر» ظلاً دانياً، «عن الغريب وعن ضعيف المكانة»، ولذلك فإنّ النصيحة مهمّة وواجبة في هذه الظروف، إنّها النصيحة من «أفعى رمل» تتهيّأ لها كل أسباب الفتنة والخراب، وفي ذلك دلالة أرادها صاحب السموّ الشاعر، حيث أجاد في تشبيه العدو بأفعى الرمل، مثلما أجاد في اختتامه القصيدة بـ «مَثَل» الذئب الذي يأكل من الغنم القاصية البعيدة التي تنشقّ عن السرب: «والذِيبْ ياكلْ م الكبارْ السِّماني، ساعَةْ تغادرْ سربها بإستهانهْ».

إنّها عبقرية الشعر الذي يحمل كلّ المعاني وكلّ المواضيع في ردائه، ولا عجب في ذلك، فهي فنون الشعر والبلاغة والبيان وبديع اللغة التي لا تعجز عن توجيه الرسالة والنصيحة والوصف وبيان أنّ «الدرب واضح»، ولا خيار غيره، وتلك هي عظمة الشعر الذي يطوّع الأفكار السياسيّة والاقتصاديّة لتغدو سهلةً الحفظ يستفيد من دروسها وعِبَرِها الشعراء والأدباء والنقاد والمهتمون، ورجالة السياسة بالتأكيد.


الاتحاد - محمد عبدالسميع