الامارات 7 - -ما كتبته سمو الأميرة هيا بنت الحسين زوجة الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء وحاكم إمارة دبي ووزير الدفاع عبر صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك في ذكرى ميلاد المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه: -
حبيبي بابا
قررت اليوم ان اكتب لك مباشرة، لأنني حاولت ان اجد الطريقة المثلى للأحتفال بيوم ميلادك. ولكنني لا اعرف كيف احتفل؟.. واعرف جيدا أنني إذا بدأت بالكتابة فسوف تتضح الأمور. ولربما تساهم كتابتي هذه في مساعدة الآخرين الذين يشعرون بمثل شعوري.
عندما كنت بيننا.. كنا جميعا في الأردن نبدأ بالتفكير منذ شهر سبتمبر/ أيلول بالطريقة الأفضل للأحتفال بهذه المناسبة الأحب علينا جميعا. ونبدأ التخطيط، والمشاركة في اليوم الذي لم يكن يوم عيد ميلادك فقط بل يومنا الخاص.. فانت الأب والملك الحبيب لنا جميعا...
والآن... وبعد أن مرت سنوات على رحيلك.. لم يفلح الزمن في التخفيف من وقع فرافك..
فمنذ شهر سبتمبر هذا العام بدأت بالفعل التفكير في يوم ميلادك.. ومع اقتراب الموعد، شعرت بالرهبة أكثر.. وبقيت اقنع نفسي بان لا ضراوة في أن أشعر بالحزن يوم 7 فبراير/ شباط، يوم وفاتك .. ولكن يوم 14 نوفمبر/ تشرين الثاني يجب أن احتفل بحياتك، وبداية الوعد الذي حصلنا عليه جميعا بميلادك.
واليوم ومنذ لحظة استيقاظي ، ومع مرور كل لحظة... ومن الأقوال والعبارات والأعمال من حولي جميعا.. رايتك .. وشعرت بك في كل مكان..فحزنت.. ومضى وقت حتى عرفت لماذا هذا الشعور.
فطوال هذه السنوات، سواء كان يوم 14 نوفمبر، أو 7 فبراير، كنت اعتقد أنه يجب أن أودعك، وانه بشكل ما كل عام يمر تزداد المسافة بيننا.. ولكنني عرفت اليوم عدم صحة هذا الأعتقاد .. فكل ليل يمر يفسح المجال امام نهار جديد، وكل انفصال يجلب وحدة، وفقط، أولئك الذين اختاروا الأنصياع للنسيان عليهم المضي في اختيارهم.. النسيان.
أما أنا فلم ولن اختار النسيان.. لا بل ارفض ذلك..
فهل تعلم يا بابا ما اجمل ما في ذكرى ميلادك؟ انه الشعور بقسوة وألم فقدانك لدى الكثيرين من حولنا وبخاصة لنا كشعب أردني..وهذه الحقيقة ألمسها، واشاهدها في كل مكان أجد نفسي به..
فها هي كارولين التي طلبت منها مساعدتي بكتابة خطاب، وشكرتها بعد أيام من العمل، فردت وفي عيونها دموع، قائلة بانها فخورة لوجود فرصة لها لرد الجميل مما تعلمته منك.. فشعرت حينها يا بابا وكأنك ما زلت على قيد الحياة... فهي تعتبر ما قدمته كان لأخت لها، فانت كنت بمثابة والدها أيضا..
وهذه المشاهد تتكرر باستمرار.. ففي شهر أكتوبر قرأت ما كتبه طارق أسانديد الذي نشر صورة جمل حصل عليه كهدية عن روحك الطاهرة، قدمها له مواطن أردني من الرمثا.
واثناء زيارتي لهايتي، التقيت فواز أحمد السردي، أحد أفراد الجيش الأردني المشارك بقوات حفظ السلام ألدولية، حيث روى لي أن الناس في بعض المناطق الفقيرة بافريقيا كانوا يلمسون يده ليتباركوا بها كونه من الهاشميين. حدثني عن شعوره بالفخر بانه احد افراد عائلتي.. وانا واثقة من انه يشعر بنفس شعوري اليوم.
هذا الشعور الذي نشعر به جمعيا عائد فضله لك يا بابا.. فانت من منحنا جميعا هوية واحدة نفتخر بها..
كم أتمنى ان اعرف من هو فاعل الخير هذا الأردني من الرمثا؟ وأنا على ثقة من ان الجمل كان كل ما يملك..
واعرف جيدا أن فواز يحارب في هايتي كي يحمي المدنيين الغرباء بالنسبة له من أجل أن يعيشوا بسلام... وهو أكثر ما يمكن أن يقدمه أي انسان.. هم جميعا يقدمون الغالي والنفيس والتضحيات لأنهم ينقلون صورتك يا بابا، وهم من اختاروا العيش كما علمتنا جميعا.
واليوم. بعث لي أخوتي وأخواتي ذات الرسالة النصية.. " نفكر بك في هذا اليوم.. ونحبك.."
ومن الطريف أنهم جميعا، عالية، عبدالله، فيصل، زين، عايشة، عبير، علي، حمزة، هاشم، أيمان، وراية... جميعهم بعثوا لي نفس الرسالة.. وتساءلت: لماذا لم تكن الرسالة مثلا: "نتذكر بابا اليوم.. ونحبك"؟ لماذا؟
فكرت بالأمر، ولم أجد سوى انهم جميعا يعيشون كما أنت.. يفكرون بالآخرين .. مثلك تماما..
فقد ولدت يوم 14 نوفمبر 1935، واحببت والدتك جلالة الملكة زين، والوالد جلالة الملك طلال، تماما كما أحببت اخوتك محمد، وحسن وبسمة. وجدك كان المنارة التي أنارت حياتك، جلالة المغفور له الملك عبدالله الأول، واغتياله امام عينيك عند قبة الصخرة في القدس عام 1951 كانت المآساة الأكبر في حياتك.
لا شك ان يوم فقدانك لجدك الحبيب، كان في هذا اليوم بمثابة فقدان الأب والرجل الذي ساهم في بناء شخصيتك .. فكرت بهذا كله اليوم وبكل ما حدثتني عنه وعن الألم الذي مررت به لحظة أغتيال جدك.. وشعرت بان درسا ما علمتنا إياه نحن الذين فقدناك.. وهو ما يجب أن أتذكره دائما وكلما شعرت بالحنين اليك..
حدثتني كيف اطررت للسير ومغادرة المكان الذي قتل فيه جدك ( الذي كان بمثابة الأب) غدرا أمام عينيك.. مضيت وحيدا وانت شاب في 16 من العمر.. سرت وانت تعلم بأنك ستصبح ملكا بعد فترة قصيرة، وقطعت عهدا بان تحيا بيننا كقدوة ومثال يحتذى..
في هذا اليوم فهمت جيدا، بأن كونك من نسل الرسول "صلى الله عليه وسلم" لن يحقق لك ما تريد، بل من خلال العيش والسير على هذا النهج والنسب الشريف. فايمانك بالعلي القدير كان قويا ولا يمكن زعزعته ابدا.. فقد حييت لخدمة شعبك، وفعلت ذلك لأنك منهم.. لم تقرأ المزاج العام، أو بحثت عن مكانتك بين الجماهير، بل بحثت عن نبض ومشاعر الجميع، من نساء، وأطفال، وفقراء وأغنياء، وبدو، وشركس، وفلسطينيين، ومسيحيين ومسلمين .. فالكبار كانوا المرجع بالنسبة لك، والشباب مستقبلك.
لم تطلب من شعبك الولاء، بل كنت من أدى الولاء لشعبه..
ولكن.. كنت الأنسان أيضا.. فقد حاربت بقوة، واردت دائما ان تقدم الأفضل ليس لشخصك بل لجميع لأردنيين .
لقد لمست حياة جميع الأردنيين.. فيصعب أن أجد عائلة أردنيه واحدة تخلو من رواية قصة أو حادثة جميله مر بها أحد أفراد العائلة الأمر الذي يجعلهم يشعرون بالفخر والأعتزاز.
وقمة سعادتك كانت دائما عندما تكون بين اسرتك، والعشيرة والجيش، وأهل القرى، في وسط البلد تضحك معهم وتمازح المارة أو سائقي التاكسي وغيرهم.
وكقائد لهم جميعا.. كان صوتك الأجش بمثابة السحر الذي يجذب ويوحد مشاعر شعبك، ليبلغهم عن البناء والطرق التي فتحت للأمة.
غمرت مشاعر الأفتخار أبناء الوطن، واحبوك جميعا، لأن قيمك كانت قيمهم أيضا. فمع الوقت الذي قضيته بينهم صار صوتك صوتهم.. فأنت من سمح لهم أن يشكلوا صوتك بحسب منظورهم في الحياة.
أما الطريق الذي اخترت المضي به، فلم يكن دائما الأسهل، ولكنه كان الأصلح، وهذا ما قوبل من شعبك بالأحترم والتقدير.. فبذلك عّرفت ما كان الأردن عليه، وأيضا ما بقي عليه الآن.
وأتساءل.. لماذا يبدو لي أنه من المهم ان نذكرك في غدنا اكثر من أيامنا التي مضت؟
لربما لأن أردننا بقي كما عهدناه الأقوى والأكثر صلابة.. فنحن في الأردن لم تمر علينا لحظة بدون تحديات.. وهذا ما ميزنا وجعلنا ما نحن عليه الآن.. فأيامنا الحالية لا تختلف كثيرا عما مضى.. ففي السنوات الأخيرة كان الأردن الملاذ الآمن للكثيرين.
بابا .. ها هم شعبك يمرون بذات الظروف.. فهم يعكسون صورتك.. إذ استقبلوا كل من قصدهم في الأردن، لتصبح تضحياتهم كأمه أكبر بكثير مما يمكن أن يتصور.
بابا.. ستفتخر وترفع راسك عاليا بشعبك الأردني.. وخاصة البسطاء في مجتمعنا، الذين اختاروا الصمت امام معاناتهم وضيق ألحال. فقد علمتنا أن نرحب بالفقراء والمشردين، ولكن علمتنا أيضا أن لا تضيع هويتنا في وسط هذه الظروف. .
فالقيم التي ورثناها بحياتك هي القالب الذي شكلنا ,اصبحنا ما نحن عليه الآن.. لأنها الأسس التي بنيت عليها امتنا. وكذلك صدى الصوت الواحد، صوتك، صوت جميع الأردنيين الذين ساهموا في بناء الأردن.
اليوم هو يوم احتفالنا في ميلاد امتنا وما نحن عليه .. واليوم هو أساس وحدتنا وتضامننا ومستقبنا. ولهذا يجب أن يكون عيدا وطنيا في كل ارجاء الأردن.
بابا.. اليوم أتذكرك..
أتذكر الأنسان الذي سعى جاهدا وحاول دفع نفسه لأقصى ما يمكن تحمله.. وقدم أكثر بكثير مما طلب منه، واتسم بالتواضع، والتسامح، والعطف، أكثر مما يمكن أن يتمناه المرء.
بابا...اليوم أود أن أحتفل بقدومك إلى هذا العالم.. ولا أريد للحزن أن يقترب مني.. لأنه لا يمكن لأحد أن يأخذك مني أبدا.. إلا أذا سلمت بانا بذلك..
فاينما نظرت..أجد أن شعبك في الأردن يحتفل بك أيضا، ليس اليوم فقط، بل تماما كما فعلت بخسارتك الكبرى... وهي الطريقة التي أختار بها شعبك العيش والمضي قدما...
قد يكون اليوم علامة او مؤشر لمن نحن.. ولكنك يوميا تعيش في ذاكرة معظم الناس لأنهم يسعون أن يكونوا دائما مثلك..
فعيد ميلاد سعيد يا بابا منا جميعا.. نحن الذين لن نقبل بفراقك..
المحبة دائما،
هيا
حبيبي بابا
قررت اليوم ان اكتب لك مباشرة، لأنني حاولت ان اجد الطريقة المثلى للأحتفال بيوم ميلادك. ولكنني لا اعرف كيف احتفل؟.. واعرف جيدا أنني إذا بدأت بالكتابة فسوف تتضح الأمور. ولربما تساهم كتابتي هذه في مساعدة الآخرين الذين يشعرون بمثل شعوري.
عندما كنت بيننا.. كنا جميعا في الأردن نبدأ بالتفكير منذ شهر سبتمبر/ أيلول بالطريقة الأفضل للأحتفال بهذه المناسبة الأحب علينا جميعا. ونبدأ التخطيط، والمشاركة في اليوم الذي لم يكن يوم عيد ميلادك فقط بل يومنا الخاص.. فانت الأب والملك الحبيب لنا جميعا...
والآن... وبعد أن مرت سنوات على رحيلك.. لم يفلح الزمن في التخفيف من وقع فرافك..
فمنذ شهر سبتمبر هذا العام بدأت بالفعل التفكير في يوم ميلادك.. ومع اقتراب الموعد، شعرت بالرهبة أكثر.. وبقيت اقنع نفسي بان لا ضراوة في أن أشعر بالحزن يوم 7 فبراير/ شباط، يوم وفاتك .. ولكن يوم 14 نوفمبر/ تشرين الثاني يجب أن احتفل بحياتك، وبداية الوعد الذي حصلنا عليه جميعا بميلادك.
واليوم ومنذ لحظة استيقاظي ، ومع مرور كل لحظة... ومن الأقوال والعبارات والأعمال من حولي جميعا.. رايتك .. وشعرت بك في كل مكان..فحزنت.. ومضى وقت حتى عرفت لماذا هذا الشعور.
فطوال هذه السنوات، سواء كان يوم 14 نوفمبر، أو 7 فبراير، كنت اعتقد أنه يجب أن أودعك، وانه بشكل ما كل عام يمر تزداد المسافة بيننا.. ولكنني عرفت اليوم عدم صحة هذا الأعتقاد .. فكل ليل يمر يفسح المجال امام نهار جديد، وكل انفصال يجلب وحدة، وفقط، أولئك الذين اختاروا الأنصياع للنسيان عليهم المضي في اختيارهم.. النسيان.
أما أنا فلم ولن اختار النسيان.. لا بل ارفض ذلك..
فهل تعلم يا بابا ما اجمل ما في ذكرى ميلادك؟ انه الشعور بقسوة وألم فقدانك لدى الكثيرين من حولنا وبخاصة لنا كشعب أردني..وهذه الحقيقة ألمسها، واشاهدها في كل مكان أجد نفسي به..
فها هي كارولين التي طلبت منها مساعدتي بكتابة خطاب، وشكرتها بعد أيام من العمل، فردت وفي عيونها دموع، قائلة بانها فخورة لوجود فرصة لها لرد الجميل مما تعلمته منك.. فشعرت حينها يا بابا وكأنك ما زلت على قيد الحياة... فهي تعتبر ما قدمته كان لأخت لها، فانت كنت بمثابة والدها أيضا..
وهذه المشاهد تتكرر باستمرار.. ففي شهر أكتوبر قرأت ما كتبه طارق أسانديد الذي نشر صورة جمل حصل عليه كهدية عن روحك الطاهرة، قدمها له مواطن أردني من الرمثا.
واثناء زيارتي لهايتي، التقيت فواز أحمد السردي، أحد أفراد الجيش الأردني المشارك بقوات حفظ السلام ألدولية، حيث روى لي أن الناس في بعض المناطق الفقيرة بافريقيا كانوا يلمسون يده ليتباركوا بها كونه من الهاشميين. حدثني عن شعوره بالفخر بانه احد افراد عائلتي.. وانا واثقة من انه يشعر بنفس شعوري اليوم.
هذا الشعور الذي نشعر به جمعيا عائد فضله لك يا بابا.. فانت من منحنا جميعا هوية واحدة نفتخر بها..
كم أتمنى ان اعرف من هو فاعل الخير هذا الأردني من الرمثا؟ وأنا على ثقة من ان الجمل كان كل ما يملك..
واعرف جيدا أن فواز يحارب في هايتي كي يحمي المدنيين الغرباء بالنسبة له من أجل أن يعيشوا بسلام... وهو أكثر ما يمكن أن يقدمه أي انسان.. هم جميعا يقدمون الغالي والنفيس والتضحيات لأنهم ينقلون صورتك يا بابا، وهم من اختاروا العيش كما علمتنا جميعا.
واليوم. بعث لي أخوتي وأخواتي ذات الرسالة النصية.. " نفكر بك في هذا اليوم.. ونحبك.."
ومن الطريف أنهم جميعا، عالية، عبدالله، فيصل، زين، عايشة، عبير، علي، حمزة، هاشم، أيمان، وراية... جميعهم بعثوا لي نفس الرسالة.. وتساءلت: لماذا لم تكن الرسالة مثلا: "نتذكر بابا اليوم.. ونحبك"؟ لماذا؟
فكرت بالأمر، ولم أجد سوى انهم جميعا يعيشون كما أنت.. يفكرون بالآخرين .. مثلك تماما..
فقد ولدت يوم 14 نوفمبر 1935، واحببت والدتك جلالة الملكة زين، والوالد جلالة الملك طلال، تماما كما أحببت اخوتك محمد، وحسن وبسمة. وجدك كان المنارة التي أنارت حياتك، جلالة المغفور له الملك عبدالله الأول، واغتياله امام عينيك عند قبة الصخرة في القدس عام 1951 كانت المآساة الأكبر في حياتك.
لا شك ان يوم فقدانك لجدك الحبيب، كان في هذا اليوم بمثابة فقدان الأب والرجل الذي ساهم في بناء شخصيتك .. فكرت بهذا كله اليوم وبكل ما حدثتني عنه وعن الألم الذي مررت به لحظة أغتيال جدك.. وشعرت بان درسا ما علمتنا إياه نحن الذين فقدناك.. وهو ما يجب أن أتذكره دائما وكلما شعرت بالحنين اليك..
حدثتني كيف اطررت للسير ومغادرة المكان الذي قتل فيه جدك ( الذي كان بمثابة الأب) غدرا أمام عينيك.. مضيت وحيدا وانت شاب في 16 من العمر.. سرت وانت تعلم بأنك ستصبح ملكا بعد فترة قصيرة، وقطعت عهدا بان تحيا بيننا كقدوة ومثال يحتذى..
في هذا اليوم فهمت جيدا، بأن كونك من نسل الرسول "صلى الله عليه وسلم" لن يحقق لك ما تريد، بل من خلال العيش والسير على هذا النهج والنسب الشريف. فايمانك بالعلي القدير كان قويا ولا يمكن زعزعته ابدا.. فقد حييت لخدمة شعبك، وفعلت ذلك لأنك منهم.. لم تقرأ المزاج العام، أو بحثت عن مكانتك بين الجماهير، بل بحثت عن نبض ومشاعر الجميع، من نساء، وأطفال، وفقراء وأغنياء، وبدو، وشركس، وفلسطينيين، ومسيحيين ومسلمين .. فالكبار كانوا المرجع بالنسبة لك، والشباب مستقبلك.
لم تطلب من شعبك الولاء، بل كنت من أدى الولاء لشعبه..
ولكن.. كنت الأنسان أيضا.. فقد حاربت بقوة، واردت دائما ان تقدم الأفضل ليس لشخصك بل لجميع لأردنيين .
لقد لمست حياة جميع الأردنيين.. فيصعب أن أجد عائلة أردنيه واحدة تخلو من رواية قصة أو حادثة جميله مر بها أحد أفراد العائلة الأمر الذي يجعلهم يشعرون بالفخر والأعتزاز.
وقمة سعادتك كانت دائما عندما تكون بين اسرتك، والعشيرة والجيش، وأهل القرى، في وسط البلد تضحك معهم وتمازح المارة أو سائقي التاكسي وغيرهم.
وكقائد لهم جميعا.. كان صوتك الأجش بمثابة السحر الذي يجذب ويوحد مشاعر شعبك، ليبلغهم عن البناء والطرق التي فتحت للأمة.
غمرت مشاعر الأفتخار أبناء الوطن، واحبوك جميعا، لأن قيمك كانت قيمهم أيضا. فمع الوقت الذي قضيته بينهم صار صوتك صوتهم.. فأنت من سمح لهم أن يشكلوا صوتك بحسب منظورهم في الحياة.
أما الطريق الذي اخترت المضي به، فلم يكن دائما الأسهل، ولكنه كان الأصلح، وهذا ما قوبل من شعبك بالأحترم والتقدير.. فبذلك عّرفت ما كان الأردن عليه، وأيضا ما بقي عليه الآن.
وأتساءل.. لماذا يبدو لي أنه من المهم ان نذكرك في غدنا اكثر من أيامنا التي مضت؟
لربما لأن أردننا بقي كما عهدناه الأقوى والأكثر صلابة.. فنحن في الأردن لم تمر علينا لحظة بدون تحديات.. وهذا ما ميزنا وجعلنا ما نحن عليه الآن.. فأيامنا الحالية لا تختلف كثيرا عما مضى.. ففي السنوات الأخيرة كان الأردن الملاذ الآمن للكثيرين.
بابا .. ها هم شعبك يمرون بذات الظروف.. فهم يعكسون صورتك.. إذ استقبلوا كل من قصدهم في الأردن، لتصبح تضحياتهم كأمه أكبر بكثير مما يمكن أن يتصور.
بابا.. ستفتخر وترفع راسك عاليا بشعبك الأردني.. وخاصة البسطاء في مجتمعنا، الذين اختاروا الصمت امام معاناتهم وضيق ألحال. فقد علمتنا أن نرحب بالفقراء والمشردين، ولكن علمتنا أيضا أن لا تضيع هويتنا في وسط هذه الظروف. .
فالقيم التي ورثناها بحياتك هي القالب الذي شكلنا ,اصبحنا ما نحن عليه الآن.. لأنها الأسس التي بنيت عليها امتنا. وكذلك صدى الصوت الواحد، صوتك، صوت جميع الأردنيين الذين ساهموا في بناء الأردن.
اليوم هو يوم احتفالنا في ميلاد امتنا وما نحن عليه .. واليوم هو أساس وحدتنا وتضامننا ومستقبنا. ولهذا يجب أن يكون عيدا وطنيا في كل ارجاء الأردن.
بابا.. اليوم أتذكرك..
أتذكر الأنسان الذي سعى جاهدا وحاول دفع نفسه لأقصى ما يمكن تحمله.. وقدم أكثر بكثير مما طلب منه، واتسم بالتواضع، والتسامح، والعطف، أكثر مما يمكن أن يتمناه المرء.
بابا...اليوم أود أن أحتفل بقدومك إلى هذا العالم.. ولا أريد للحزن أن يقترب مني.. لأنه لا يمكن لأحد أن يأخذك مني أبدا.. إلا أذا سلمت بانا بذلك..
فاينما نظرت..أجد أن شعبك في الأردن يحتفل بك أيضا، ليس اليوم فقط، بل تماما كما فعلت بخسارتك الكبرى... وهي الطريقة التي أختار بها شعبك العيش والمضي قدما...
قد يكون اليوم علامة او مؤشر لمن نحن.. ولكنك يوميا تعيش في ذاكرة معظم الناس لأنهم يسعون أن يكونوا دائما مثلك..
فعيد ميلاد سعيد يا بابا منا جميعا.. نحن الذين لن نقبل بفراقك..
المحبة دائما،
هيا