أحمد أبو الغيط: محمد بن زايد يمتلك رؤية ثاقبة حول العمل العربي المشترك

-قامت صحيفة الإتحاد الإماراتية متمثلة برئيس تحريرها الأستاذ محمد الحمادي وتالياً نص الحوار نقلاً عن صحيفة الإتحاد الإماراتية:

منذ أيام كان لي لقاء مع معالي الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، بحضور عدد من الزملاء رؤساء تحرير الصحف المحلية، ودار الحديث مع معاليه حول كثير من قضايا المنطقة والأزمات العميقة التي تشهدها بعض الدول العربية، ومن ضمن سياق الحديث كنا نتساءل عن دور جامعة الدول العربية المفقود في هذا الوقت الحساس والصعب، فكان رد الوزير لماذا لا تسألون الأمين العام الجديد للجامعة، وبدا من حديث معاليه أنه متفائل بوجود الدبلوماسي المصري المخضرم أحمد أبو الغيط على رأس الجامعة العربية في هذه المرحلة، فقمت بالتواصل مع الجامعة، وكان الرد سريعاً بالموافقة على الحوار، سافرت إلى القاهرة، وفي مكتب معاليه في مقر جامعة الدول العربية كان هذا اللقاء.

كنت أخشى أن الأمين العام لجامعة الدول العربية معالي أحمد أبو الغيط سيزيدنا من الهم العربي هماً أو بيتاً، وأنه سيبدو ربما حائراً أو متشائماً أمام الملفات المتخمة والساخنة، ولكن فُوجئت بأنّه بدا متفائلاً بالغد وبالمستقبل، ورأيت أن تفاؤله ليس من فراغ، بل هو نتيجة لقراءة جيدة وشاملة لكل الأحداث والحوادث، وإلمام بالشؤون العربية، وقدرة معروفة عنه على اقتحام الأمور كافة بمنطق وعقلانية الدبلوماسي المخضرم الذي تكوَّنت لديه حصيلة تراكمية من الخبرة بشأن العمل العربي.

الملفات والقضايا العربية ليست فقط كثيرة ومتشعبة ومتقاطعة ومتشابكة، ولكنها أيضاً شائكة ومعقدة .. والمتابع العادي للمشهد العربي لا يكاد يرى أي ضوء في نهاية النفق، خصوصاً مع تدويل معظم الأزمات العربية، إنْ لم تكن كلها، وما يشبه التحييد أو الإبعاد القسري للعرب عن قضاياهم، وكذلك مع دخول قوى إقليمية على الخط العربي واشتباكها مع أزماتنا وقضايانا، ناهيك عن الأطماع المتزايدة والتدخلات الواضحة في الشأن العربي ونزعات الهيمنة، وكل هذا يُضاف إلى أن المجتمع الدولي ممثلاً في منظمة الأمم المتحدة والقوى الدولية، أصبح يكتفي بإدارة الأزمات العربية دون إرادة واضحة لحل أو حتى حلحلة هذه الأزمات.


تحدث معالي الأمين العام بكل شفافية ووضوح حول كل القضايا العربية، ورؤيته لها، ولكن الملف الذي يحظى بأولوية لديه هو ملف العمل العربي المشترك، وخلق دور أكثر إيجابية، وحركة أكثر اتساعاً لجامعة الدول العربية في الاشتباك مع قضايا الأمّة وأزماتها، حيث يرى معاليه أن إصلاح أو لنقل تنشيط الجامعة العربية هو مفتاح الحل لكل القضايا، ولا بد من إعادة الملفات العربية كلها إلى بيت العرب حتى إذا كان لا بد من التعاون مع المجتمع الدولي في هذا الشأن، لكن الأساس هو أن تكون جامعة الدول العربية هي اللاعب الرئيس والأهم في كل قضايانا، وقد خرجنا من الحوار مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أكثر تفاؤلاً بالمستقبل رغم صعوبة وحساسية ودقّة الظرف العربي الحالي، لأنّ معالي الأمين العام كان يُردد خلال اللقاء: أنا هُنا خادم العرب، وأمين على جامعة الدول العربية، ولست أميناً لها..

كُنت قد التقيت صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان منذ سنوات طوال، وله تقدير مني عالٍ جداً، وما رأيته في دولة الإمارات على مدى السنوات العشر الماضية، يؤكد فكر سموه للحداثة، وفكر سموه لرفع اسم الإمارات، وهي رسالة أكدتها في لقائي مع سموه، رسالة عظيمة بدأها الشيخ زايد، رحمه الله، وسار على نهجها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وإخوانهم حكام الإمارات.


النقطة الثانية أن الشيخ محمد له معرفة وثيقة بالوضع العربي والإقليمي وبالعلاقات الدولية، وعلى اطلاع دائم بالمستجدات بشكل واضح ومحدد، وليس ذلك فحسب، فهو يملك رؤية ثاقبة قادرة على تأمين دور نشط وقوي وفعال للإمارات، خصوصاً في العمل العربي المشترك.
النقطة الثالثة لديه ثقة في الجامعة العربية ودورها، وأخطرني بذلك خلال لقائي معه، قال أولاً نثق فيك كأمين عام جديد، ونثق في قدراتك واجتهادك لتأمين فاعلية أمانة الجامعة العربية ودور الجامعة العربية، وبالتالي لديه معرفة واضحة جداً بدور الجامعة العربية، وما يجب أن تكون عليه هذه الجامعة في السنوات التي أشغل فيها هذا المنصب، منصب أمين عام الجامعة. واطمأننت منه على دعم الإمارات للجامعة العربية، وكما تعلم أن أي أمين عام جديد عليه أن يقوم بزيارات للدول الأعضاء كافة في الجامعة، وفي هذا السياق تأتي الإمارات ضمن المجموعة الأولى. والملاحظ أن دولة الإمارات العربية المتحدة، ردت وبسرعة شديدة على طلبي لهذه الزيارة، وبالتالي أشكرهم على تلك المبادرة السريعة.

كما التقيت كلاً من سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، ومعالي أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، وتوجت هذه اللقاءات بلقائي مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والذي امتد لحوالي 50 دقيقة. سألني باهتمام شديد عن نواياي فيما يتعلَّق بشكل وأسلوب إدارة الجامعة العربية، وأولويات العمل، وطمأنته بأنني أعطيته صورة واضحة عما ينبغي أن نفعل.

تساؤلات الشارع العربي

* الشارع العربي يتساءل بعد وصولكم لجامعة الدول العربية، ماذا سيحدث في الجامعة وماذا سيتغير؟

** هناك شقان، شق خاص بالأمانة العامة، وشق خاص بالسياسات، فيما يتعلق بأسلوب الإدارة والتنظيم بالأمانة العامة، أريد أن تكون الأمانة العامة قادرة على العمل بكفاءة عالية جداً، لا تقل من حيث التنظيم والهيكلة والتدريب ومستوى الأداء والمشاركة في المؤتمرات الدولية والإقليمية عن الأمم المتحدة. الجامعة العربية منظمة إقليمية قديمة بدأت وبزغت منذ عام 1945 ربما قبل الأمم المتحدة بأشهر عدة، وبالتالي يجب أن ترفع كفاءتها ومبانيها ومقرها ونوعية العاملين فيها والكادر الإداري والمالي بمستوى المنظمات الإقليمية الأخرى، مثل الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة. هذا فيما يخص الشق الأول وهو الإداري والمالي والتنظيمي، وسوف أمارس أكبر قدر من الفاعلية في هذا الاتجاه.

رفع الأداء

* هل ستطلبون زيادة ميزانية الجامعة؟

** في المرحلة الحالية يكفي رفع كفاءة الأداء، عندما تثق الدول الأعضاء في كفاءة الأداء وفي أداء البرامج، أعتقد أنها لن تمانع في رفع الميزانيات أو زيادتها، وهذا يعتمد على الشق الآخر وهو السياسات، الجامعة العربية الفكرة الأساسية منها لدى الشارع العربي أنها جامعة عربية تعمل في الإطار السياسي، وحقيقة الأمر أن الجامعة العربية بأمانتها الحالية المتطورة تعمل في المجالات كافة التي يهتم بها أي مجتمع، وبالتحديد المجتمعات العربية، فهي تعمل في المجال الاقتصادي، وتعمل في المجال الاجتماعي، والمرأة وتعمل في مجال رعاية الطفل، وفي مجال السكان والمناخ والطاقة، يمكن أن تفكر في أي ميدان أو قطاع يحظى باهتمام دولة عربية أو غير عربية، تجد أن الأمانة العامة لديها خبراؤها العاملون فيها الذين يشاركون في هذه المؤتمرات، وبالتالي الجامعة العربية ليست فقط عملاً سياسياً، وليست فقط أمناً قومياً عربياً وليست فقط القضية الفلسطينية، ولكنها أيضاً تعمل وبفاعلية جداً، وقد يكون هذا مفاجئاً لك، وفي ضوء الظروف السياسية الحالية إقليمياً، والصعوبات التي تواجهها دول رئيسة في الإقليم العربي، الجامعة العربية في المجال الاقتصادي والاجتماعي تعمل بفاعلية شديدة على محاور عدة، هي:

1- تنسيق المواقف العربية في كل هذه القضايا.

2- توحيد التشريعات بين الدول وبعضها بعضاً.

3- تنسيق الموقف العربي أمام المنظمات الدولية، في مسائل نزع السلاح هناك موقف عربي، في مسائل المرأة والطفولة ودور المرأة والطفولة في المجتمعات العربية وتشريعات المرأة والطفولة في الدول العربية، هذا كله الجامعة العربية تقوم بتنسيق المواقف وبشحذ الهمم، إذا لم تشارك دولة أو مجموعة دول في مؤتمر ما أو في مجال ما، فالجامعة العربية قادرة، وهي تعمل، على نقل نتائج كل المؤتمرات الإقليمية للدول التي لم تشارك بها، الجامعة العربية تحيط الجميع علماً بما يجري في هذه المؤتمرات، وبالتالي تخفف العبء الفني والإداري عن الكثير من الدول الأعضاء.

* ولكن من وجهة نظركم ما هي الأولوية الآن؟

** هذه هي الأولوية عن العمل السياسي، وكما قلت هناك شقان، شق تفعيل أداء الأمانة ورفع كفاءتها وشحذ همتها وترشيد إنفاقها، وهو أساسي في تفكيري، ثم التحرك على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وأيضاً الثقافي رغم وجود منظمة الثقافة والتعليم العربية (ألكسو) ومقرها في تونس. ولا أقول استبعدنا العمل السياسي، ولكن أقول لا نعطيه النسبة الغالبة من اهتمامنا، نعطي العمل السياسي أهمية، ونركز على العمل السياسي أيضاً، ونسعى لفهم الكثير من الظواهر السياسية في الإقليم العربي، نرتب أوضاعنا للمشاركة فيها إذا احتاج الأمر. ولما كانت هناك خلافات عربية عربية تعيق الجامعة من أداء متكامل شامل في قضايا سياسية عربية، فإن الأولوية للمجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، يتبعه البعد السياسي.

على الجانب الآخر ما زالت القضية الفلسطينية تحظى بالأولوية سياسياً، والدعم للفلسطينيين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، والدفاع عن القضية على المستوى الدولي، وهذه مسلمات لا تهتز.

الانقسام الفلسطيني

* الانقسام الفلسطيني كيف سيتم التعامل معه، اليوم هناك فلسطين «حماس» وفلسطين «فتح»؟

** نحن نتعامل مع دولة فلسطين ومنظمة التحرير الفلسطينية، إذا ما جاءت فرصة لتوجيه النصيحة، نوجه النصيحة، ولكن الهدف والعمل الأساسي للجامعة هو مع السلطة الفلسطينية الشرعية مهما كان شكلها، الخلافات الفلسطينية الداخلية إذا ما طلب من الجامعة أن تسعى فهي تسعى، الجامعة لا تتطوع، لأنه قد يقول لها طرف لا نريدك أن تعملي في هذا المجال، وبالتالي نحرص على أن نضبط إيقاع التعامل مع هذه المشكلة، وغيرها من المشكلات العربية.

الجروح المفتوحة

* الجروح المفتوحة في اليمن وليبيا وسوريا، أين تجدون دور الجامعة العربية في هذه الأزمات؟

** الجامعة العربية مثلما قلت أكثر من مرة تم استبعادها، وتم استبعادها بإرادتين، إرادة الجامعة نفسها من منطلقات قانونية، الجامعة تصورت أن هذه مشكلات تتعلق بالأمن والسلم الدوليين وبالتالي يجب أن تذهب إلى مجلس الأمن، وبالتالي الجامعة أبعدت نفسها عن تناول هذه الموضوعات وتركتها لمجلس الأمن. البعد الآخر، أبعدت من حيث رغبة أطراف محددة لإبعادها، وأطراف غير عربية لإبعادها.

* هل يمكنكم تسميتها ؟

** العالم الغربي حسب تقديري، وبالتالي هدفي هو أن تعطى الجامعة العربية مرة أخرى الدور الذي تستحقه ليس فقط في تتبع أو رصد أو التعرف إلى ما يدور حول هذه المشكلات تحديداً، وهي أربع مشكلات مطروحة على العالم العربي حالياً، ولكن أن تسعى للتفاعل مع هذه المشكلات، أقول لك تحديداً فيما يتعلق بالشأن الليبي: الجامعة العربية أو الأمانة استخلصت قراراً من المجلس الوزاري العربي بتعيين مبعوث للأمين العام للشأن الليبي يعمل مع الأمم المتحدة ومبعوث الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تحت الإشراف المباشر للأمين العام لكيفية التوصل إلى تسوية أو حل للقضية الليبية.

وفيما يتعلق بالوضع السوري، هناك مبعوث دولي اسمه دي مستورا له نائب عربي مطلوب منه ومطلوب من دي مستورا أن يبقيا الجامعة العربية على اتصال كامل بكل التحركات، وبكل الخلاصات، وبكل المساعي والمقترحات التي تطرح، كان لهما أسلوبهما في التعامل مع الجامعة العربية، ونسعى لتغيير هذا الأسلوب، وكتبنا إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وتحدثنا مع دي مستورا وقلنا له يجب أن تأخذ في حسبانك الجامعة بكل فعالياتك، وبالتالي استجاب. ونحن مصممون على أن تكون لدينا معرفة بكل التفاصيل لخدمة الهدف العربي في وقف إطلاق النار، وفي التوصل إلى تسوية سريعة لوقف قتل السوريين.

وفي الشأن اليمني، كتبت إلى وزير خارجية الكويت، واستجاب بسرعة شديدة إلى أن يكون لدى الجامعة العربية موفد من الأمين العام، يبقى على هامش المفاوضات اليمنية اليمنية إذا ما تمت العودة إليها، لكي يتعرف إلى تفاصيل كل شيء ليحيط الأمانة العامة والأمين العام علماً، وبالتالي يحيط الأمين العام الأعضاء حتى لا تكون هناك مشكلات عربية ضاغطة على الوضع العربي والجامعة العربية مغيبة، هذه هي المسائل الثلاث الضاغطة: ليبيا وسوريا واليمن.

وفيما يتعلق بالشأن العراقي، فإن الجامعة العربية لديها قرارات صادرة من الاجتماعات الوزارية، تطالب تركيا بعدم الاعتداء على الأراضي العراقية، وأيضاً الانسحاب من المناطق العراقية الحدودية، وفي هذا أتمسك كأمين عام للجامعة العربية بتنفيذ هذه القرارات التي صدرت عن الاجتماعات الوزارية العربية.

الإرهاب

* انتقل إلى سؤال آخر حول موضوع الإرهاب، كيف ستتعامل جامعة الدول العربية مع ملف الإرهاب من ناحية أمنية ومن ناحية تأثيره على الدولة الوطنية في العالم العربي؟

** طبعاً يجب ألا يغيب عنك أن هناك تهديداً محورياً لفكرة الدولة الوطنية في العالم العربي، وهذا التهديد المحوري واضح وبشدة في ثلاث دول بالتأكيد، هي ليبيا وسوريا، وأتجرأ بالقول العراق أيضاً، لأن «داعش» سلب من العراق أراضي واسعة واعتبرها خاصة به، وهناك مظاهر لانفصالات في كل من سوريا والعراق، وبهذا نرفض تماماً، ونطالب بالمحافظة على الدولة الوطنية العربية، سواء في سوريا أو في العراق أو في اليمن أو في ليبيا، وسوف نبقي على هذا الموقف، ونتحدث فيه بوضوح شديد.

فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، هناك الكثير من القرارات الصادرة عن الاجتماعات الوزارية العربية، والقمم العربية تتمسك بمكافحة حادة جداً للإرهاب أمنياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً، وكل ما يتعلق بهزيمة الإرهاب في المنطقة العربية، نبقى على اتصال وثيق مع كل الجهات الدولية التي تكافح الإرهاب في إطاره السياسي القانوني الاجتماعي الأمني، نبقى على هذا التوافق وهذا الاتصال بهدف التعرف إلى الرؤى الدولية. ويشارك كادر الجامعة في كل هذه المؤتمرات التي تعقد في أي مكان للتعرف إلى القرارات، وعلى فلسفة التعامل مع هذه الظاهرة المخربة جداً، والتي تهدد الدولة.

* هل المجتمع الدولي قام بالدور الكافي في هذا الموضوع؟ هل التعاون كافٍ بين دول العالم لمواجهة الإرهاب؟

** المشكلة أن الكثير من الدول ذات التأثير وذات القدرة، ليس لديها معرفة واضحة أو دقيقة بمنطلقات الظاهرة وجذور الظاهرة، هم يتحدثون عن ظاهرة تهدد فرنسا أو الجزائر أو مصر أو العراق أو سوريا أو السعودية، ولكن هم لا يعلمون أنهم ليسوا على اطلاع كافٍ بمعنى الظاهرة وتفسير الظاهرة، أنا دائم القول إننا يجب ألا نتعامل مع «داعش» أو «النصرة» كفلسفة عريضة، يجب أن نتعامل مع الكادر ومع المحرك لهذا كله، الكادر الثوري الإرهابي الديني الذي ينطلق من هذه الجماعات له أسبابه، يجب أن نعي هذه الأسباب لكي نستطيع أن نتعامل معها أمنياً، وفي الوقت نفسه نعرف كيف نتعامل معها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وفكرياً، ولكن يجب ألا ننسى أن هناك غضباً لدى الشباب المسلم والشباب العربي، وهذا الغضب يعود إلى حد كبير، لا أقول بشكل كامل ولكن بحد كبير، للقضية الفلسطينية، للغضب الذي تعرض له الفلسطينيون ولم يتنبه له المجتمع الدولي، بل استمر المجتمع الدولي إما يتجاهل هذه القضية أو يتعامل معها باعتبارها قضية لاجئين، هي قضية شعب عربي، وهذا الشعب العربي أهين، وبالتالي تجب استعادة حقوقه.

هذا دفع بالكثير من الشباب العربي إلى مناحٍ خاطئة للتعامل مع هذه الظاهرة، هذه المناحي وصلت بهم إلى الإرهاب.

التدخل الإيراني

* فيما يتعلق بالجار الإيراني، كيف تنظر إلى دور النظام الإيراني في المنطقة العربية؟

** أنظر إلى الدور الإيراني باعتباره يجب أن يعيد النظر في توجهاته وتقييم أدائه، مطلوب من إيران أن تغير شكل تعاملها وتفاعلها مع العالم العربي، العالم العربي له دول، وله سيادته، وله احترامه، ويجب على السياسة الخارجية الإيرانية ألا تتحرك بشكل يستهدف الهيمنة أو التوسع، هناك عرب شيعة وعرب سُنة، لكنهم جميعاً عرب يجب أن يعلموا ذلك، أنهم يعيشون في الدولة الوطنية المدنية، ويجب ألا تسمح إيران لنفسها أن تستغل أوضاع أو رؤى هذه الجماعات، وتفترض أنها رأس حربة لمصلحتها في أراضي العرب، هم عرب وهم وطنيون يعملون لخدمة الدولة الوطنية المدنية أو يجب أن يكون الأمر كذلك، نتعامل معهم هكذا.

* وماذا يكون العمل في حال إصرارهم على مواقفهم وعدم سماعهم للنصيحة العربية؟

** يجب أن نتصدى لهم، نتصدى لهم بالقول ونتصدى لهم بالفعل في حال اعتدائهم على الحقوق العربية.

الأمن القومي

* كيف نستطيع أن نتكلّم اليوم عن الأمن القومي العربي؟ ماهو أكبر مهدد وخطر على أمن العرب؟

** الأمن القومي العربي أصابه اليوم الكثير من الخروق، ما يحدث في سوريا هذا من الأمن القومي العربي، ما يحدث اليوم في العراق من انقسام و«داعش»، هذا يمثل تدميراً للأمن القومي العربي، ما يحدث في ليبيا تدمير للأمن القومي العربي، الحديث الإيراني عن السيطرة والهيمنة على أربع عواصم عربية هذا تهديد للأمن القومي العربي، وبالتالي يجب شحذ الهمم، ببساطة لا ينبغي أن نضيع الوقت في تسميات ماهو الأمن القومي، سياسات مقترحة للأمن القومي، المسألة واضحة وضوح الشمس، هناك دول يتم تدميرها، وبالتالي وحدات عربية ذات تأثير أصبحت غير موجودة، من هنا لابد من توحيد الرؤى العربية العربية، وهذا لا يتأتى إلا من خلال نقاشات عربية عربية بين المفكرين وأصحاب الفهم الاستراتيجي، وبين أساتذة الجامعات والكُتاب والإعلاميين، وبين القادة والمسؤولين في وزارات الخارجية والأجهزة الأمنية. يجب أن يكون هناك جهد من خلال نقاشات في موائد مستديرة مغلقة أو مفتوحة، من خلال ندوات، من خلال خلوات عربية عربية للمسؤولين، يناقشون كل الأمور، وبأكبر قدر من الصراحة والوضوح، بهدف الوصول إلى تفاهم، وإلى نتائج، وإلى فهم مشترك، يجب أن ننحي كعرب المصالح الضيقة لهذا الطرف أو ذاك، أو الرؤى الأيديولوجية لهذا الطرف أو ذاك، ونركز على البعد العربي، ومصالح العرب، والمصالح للدولة الوطنية المدنية. إما هذا أو الدمار للعرب. ويجب ألا يكون هناك دمار للعرب لأن العرب سيبقون ما بقي التاريخ.

* كيف تنظر للدور الإماراتي سواء فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية والعربية أو موضوع مكافحة الإرهاب؟

** أرى أن دور دولة الإمارات دور إيجابي جداً، والإمارات لديها القدرة على التأثير، وهي تستخدمها بكفاءة شديدة.

* بعض الدول العربية تحفظت على تعيينك أميناً عاماً للجامعة، ما هو تعليقك؟

** هي دولة وحيدة، وهي الشقيقة قطر، وسوف أقوم بزيارتها مثلها مثل كل الدول الأخرى، وسوف أسرع بهذه الزيارة عندما تتاح الظروف، وأنظر إلى القيادة في قطر نظرة إيجابية جداً، وسوف أتعامل مع الإخوة في قطر مثلهم مثل الإخوة في مصر والإمارات والمغرب والجزائر، ولا تفرقة لدي إطلاقاً، أعمل خادماً للعرب وأميناً على الجامعة العربية، لا أميناً للجامعة العربية.

* تتولى منصب أمين عام جامعة الدول العربية في ظل ظروف عربية صعبة ومعقدة، كيف ستعمل في مثل هذه الظروف؟

** لا يمكن أن يصيبني الوهن أو خيبة الأمل، سوف أعمل حتى آخر لحظة في حياتي أو نهاية مدة عملي في هذه الجامعة.

* وما الذي يجعلك تتفاءل وتتحرك في الوضع الحالي؟

** العرب كيان حي، ومن يزور منطقة الخليج ويزور المغرب ويزور الجزائر، يرى مجتمعات قادرة فاعلة لها ظهور ولها قدرة. ومن يزور مصر يجد أن هناك تحولات رئيسة في المجتمع المصري، وبالتالي هذا يعطي الأمل، لا يجب أن نهتز لما يحدث في سوريا أو في ليبيا، يجب أن يكون لدينا أمل، أننا قادرون على تحقيق التقدم والنمو والمحافظة على الأمن القومي، وصيانة الدولة الوطنية المدنية.

الاتحاد