القضية الكردية في مسار جديد

د. محمد عاكف جمال

في الـ 27 فبراير، حمل وفد من حزب الشعوب الديمقراطي الكردي التركي، عند انقضاء زيارته للزعيم الكردي السجين في جزيرة إيمرلي التركية، عبد الله أوجلان، رسالة من ثلاث صفحات، دعا فيها هذا الزعيم حزبه، حزب العمال الكردستاني بي.كي.كي، إلى عقد مؤتمر، يعلن فيه حل نفسه، مطالباً جميع الجماعات التابعة له، بإلقاء سلاحها، في دعوة سلام وإخاء تاريخية.

تأتي دعوة زعيم الحزب هذه، بعد 40 عاماً من القتال الدموي ضد الدولة التركية، منذ تأسيسه في سبعينيات القرن الماضي، من أجل تحقيق حلم الكرد في الحصول على دولة قومية خاصة بهم. وقد سقط خلال هذا الصراع ضحايا قدروا بما يزيد على الأربعين ألفاً، وتكبدت الدولة التركية خسائر فادحة، ما دفعها إلى تصنيفه منظمة إرهابية.

سارعت أوساط الحزب إلى الترحيب بدعوة زعيمها، ورحب بها قادة الكرد العراقيين، وعلى رأسهم رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، ورئيس الإقليم، نيجرفان بارزاني. أما على المستوى الرسمي التركي، فقد اتسم الموقف بالتروي، لمعرفة مردود الدعوة، وهل سيصار حقاً تقبلها من قبل الحزب، الذي لم يعد له صلة برئيسه السابق أوجلان، منذ تم اعتقاله في عام 1999 في كينيا، والحكم عليه بالإعدام، ثم خفف لاحقاً إلى المؤبد.

عبد الله أوجلان زعيم كردي تركي، وهو مؤسس حزب العمال الكردستاني التركي، الذي تبنّى - من وجهة نظر أتباعه - الكفاح المسلح في مواجهاته، وأصبح بذلك أحد الأطراف الرئيسة في النزاع المستمر بين الكرد والدولة التركية. لهذا الرجل زعامة سياسية وروحية بارزة بين الكرد، فهو رمز يقتدى به لدى أتباعه، سواء كان حراً طليقاً في موقع القيادة، أو سجيناً وحيداً في إحدى قلاع جزيرة إيمرلي في بحر إيجه، ولا تزال في ذاكرتنا صور شباب وصبايا كرد، أحرقوا أنفسهم احتجاجاً على اعتقاله.

لا شك أن لهذه الدعوة مردودات إيجابية، تتجاوز ما لتركيا من مواقف مع هذا الحزب، فلهذا الحزب وجود مسلح في العراق وفي سوريا، ولديه تحالفات مع بعض الفصائل المسلحة، التي تفرض وجوداً غير مرغوب فيه في مناطق عديدة، من ضمنها جبل سنجار وجبل قنديل، وبسبب هذا الوجود، وجدت تركيا أعذاراً لتوغلها داخل العراق، وإقامة قواعد عديدة فيه.

فهل تراجع الحلم الكردي في تأسيس دولة خاصة بهم؟، وهل دعوة أوجلان هي للتخلي عن هذا الحلم؟. هذه أسئلة قد يرجح البعض الإجابة عنها بالإيجاب، وقد يرجح آخرون غير ذلك. القضية الكردية تختلف عن غيرها في درجة التعقيد، فهي تقع في منطقة لا تشكو من التعقيد في شدة أزماتها، وتتميز عن غيرها بأن أجندتها مفتوحة على طاولات أكثر من رئيس دولة، ولا تقل القلق من تداعيات مستقبل هذه القضية لدى هؤلاء الرؤساء مما يفعل حاضرها.

دعوة أوجلان وضعت القضية الكردية في تركيا على مسار جديد، لا تستطيع الحكومة التركية تجاهله، خاصة أن ما سيعقبه من إجراءات متوقعة، هو التغير في الموقف الدولي من الحزب، ورفعه من قائمة الإرهاب، والتعامل مع قضيته وفق الأطر التي تسمح بها القيم الدولية، التي قد تتطلب من تركيا اتخاذ مواقف ليست في حساباتها، فالولايات المتحدة ترى في الكرد حليفاً موثوقاً به في منطقة الشرق الأوسط، من خلال دعمها لهم في العراق، عبر رسم حدود حمايتهم منذ عام 1991، وعبر دعم قوات قسد التي تمثلهم في سوريا.

الدراسات البحثية التي تهتم بالقضية الكردية، سلطت الضوء على الخصائص الأساسية لهذه القضية، التي تتعلق بأكبر أقلية في المنطقة، تتوزع بين أربع دول، هي تركيا وإيران والعراق وسوريا، قضية تراكمت جزئيات تفاصيلها على مدى قرون عديدة، متصلة أحياناً، ومنفصلة أحياناً أخرى، وليس من الموضوعية، وفق ذلك، الوقوع في فخ ربطها بشخص عبد الله أوجلان.

ورود اسم الكرد في أقدم المدونات المعروفة، ومنها التوراة، من غير شك، مؤشر على وجود قضية تردد صدى وجودها في منطقة الشرق الأوسط عبر الزمن، خلال البوابات العديدة للصراعات التي شهدتها، ولا تزال شعوب هذه المنطقة تحت واجهات شتى، منها ما هو عرقي أو ديني أو مذهبي أو مناطقي أو ثقافي.



شريط الأخبار