محيط بلا دماء

د. محمد النغيمش
تخيل نفسك تعوم في محيط مليء بأسماك القرش، حيث تحيط بك الدماء من كل جانب، ويتصارع الجميع من أجل البقاء. فرص النجاة محدودة، وكلما وهنت أصبحت فريسة سهلة. هذا ما يسمى في الإدارة «استراتيجية المحيط الدموي» (الأحمر) «blood ocean».

على الجانب الآخر، هناك مياه أكثر هدوءاً، حيث تجد الأسماك القليلة طعامها بسهولة من دون ذعر وتدافع. وهو «المحيط الأزرق» «blue ocean»، حيث التنافس أقل حدة وفرص التألق أكبر.

وقبل إقدام الشركات على المنافسة، تتساءل هل لديها الاستعداد على العمل في محيط دموي مليء بكل أشكال التنافس والضغوطات، أو تؤثر العمل في بيئة خصبة أو جديدة.. أقل ندية وتنافسية.

المحيط الأحمر رغم أنه عاصف ومخيف ومتطلب، إلا أنه قد يقوي المؤسسات، ويصقل قدراتها، ويمنحها مقدرة على التعامل مع أصعب الظروف. وذلك لأنه معركة حامية الوطيس، نتيجة الصراع العنيف على الموارد والمكانة في مضمار التنافس. وهذا ما يدفعها إلى البحث عن الإبداع وإخراج أفضل ما لديها من حيل وخطط وقدرات كامنة لدى كوادرها. هي رحلة شاقة لكنها قد تثمر في نهاية المطاف لمن يصمد في وجه العواصف.

عادة ما تحاول المؤسسات تجنب هذه المحيطات الحمراء لتقدم ما لديها بعيداً عن وطأة التنافس الضاري.

ويمتاز المحيط الأزرق بالهدوء والاستقرار، لكنه جيد للمؤسسات والشركات الراغبة في النمو وتقديم ما يمكن أن يلقى أصداء قوية في السوق.. فالمنافسون قلة.

على الصعيد الفردي، يؤثر تبني الاستراتيجية في قوتنا التنافسية. فمن يسبح في محيط أزرق هادئ محدود التنافس تصبح مهاراته وشهاداته النادرة أو الاحترافية مثل CFA وCPA وغيرها فرص للتأثير فيمن حوله. في حين أنه لو استخدم المهارات نفسها في سوق مشبع بالكفاءات فلن تكفيه تلك المؤهلات والمهارات.

أما الشركات التي تدخل إلى أسواق مزدحمة بمنتجات مشابهة للمطاعم أو التطبيقات يجعلها عرضة لحرب أسعار وتآكل الأرباح، هي مواجهة لا تقوى عليها الشركات الصغيرة أو التي لا تتحلى بالموارد الكافية للصمود. المحيط الدموي، يشير إلى الأسواق والبيئات التي تعج بالمنافسة المؤسسية والفردية الشرسة، ولذلك كانت الفرص محدودة.

وقد ذاع صيت هذا المفهوم من كتاب «استراتيجية المحيط الأزرق»، ويستند الكتاب على فكرة قدمها عالم وهي أنه ليس ضرورياً على المؤسسات الراغبة في تحقيق نجاحات في مسيرتها أن تحتل مركزاً تنافسياً قوياً. بل يمكن أن تحرز النجاح من دون الدخول في منافسة قوية (كتجنب المحيط الأحمر). فما زالت المحيطات الزرقاء الهادئة مليئة بالفرصة السانحة التي لم يدخل إليها المتنافسون، بل وتقدم أرباحاً وفيرة. مثل من يقدم خدمة أو سلعة لم يسبق لأحد أن قدمها، فيحظى بميزة الدخول المبكر للسوق قبل أن ينتبه إلى نعمه الآخرون. وكلما زاد تعقيد المنتج أو السلعة تبوأ صاحبها مكانة راسخة في قطاعه قبل أن «يفطن» إليه المنافسون.

الحياة رحلة تنافس لا مفر منها. لكن أمام المؤسسات والأفراد خيارات استراتيجية، يمكن أن تقوي مكانتهم في السوق قبل أن تشتد حدة المواجهة. ولذلك فإن من «عرك الحياة وعركته» اشتد عوده وصار للمواجهة أكثر استعداداً وأقدر على شق طريقه نحو محيط بلا دماء.



شريط الأخبار