المرأة وكرة القدم: رحلة من التهميش إلى المجد العالمي

الامارات 7 - المرأة وكرة القدم: رحلة من التهميش إلى المجد العالمي

بدايات متواضعة ومعركة طويلة من أجل الاعتراف
كرة القدم، التي لطالما اعتُبِرت "لعبة الرجال"، لم تكن مفتوحة أمام النساء بسهولة. ففي أوائل القرن العشرين، بدأت النساء بممارسة كرة القدم في بعض الدول الأوروبية، إلا أن المجتمع لم يتقبل الفكرة، وواجهت اللاعبات انتقادات لاذعة، بل ووصل الأمر إلى حد حظر ممارسة النساء للعبة في بعض البلدان، كما حدث في إنجلترا عام 1921 عندما منع الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم النساء من اللعب على ملاعبه الرسمية.

لكن رغم هذه العقبات، استمرت المرأة في لعب كرة القدم بطرق غير رسمية، متحدية التقاليد والقيود الاجتماعية، إلى أن بدأ العالم يدرك أن للنساء الحق في ممارسة الرياضة بنفس قدر الرجال.

الانطلاقة الحقيقية: من الهامش إلى الأضواء
بدأت كرة القدم النسائية تكتسب الاعتراف الرسمي في سبعينيات القرن الماضي، حيث بدأ الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في تنظيم مسابقات رسمية للنساء. وفي عام 1991، أُقيم أول كأس عالم للسيدات في الصين، ليمثل لحظة تاريخية فارقة في رحلة كرة القدم النسائية نحو الاحتراف. منذ ذلك الحين، تطورت اللعبة بشكل مذهل، وازدادت شعبيتها، لتصبح اليوم واحدة من أكثر الرياضات متابعة على مستوى العالم.

الاحتراف وتطور مستوى المنافسة
مع ازدياد دعم الأندية الكبرى لفرق السيدات، أصبحت كرة القدم النسائية أكثر احترافية. الأندية الأوروبية الكبيرة مثل برشلونة، تشيلسي، مانشستر سيتي وأولمبيك ليون استثمرت بشكل كبير في فرق النساء، ما أدى إلى تطور تكتيكي وفني في المباريات، وزيادة في أعداد الجماهير والمشجعين.

كما شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعًا في عقود اللاعبات وأجورهن، رغم الفجوة الكبيرة التي لا تزال قائمة بين كرة القدم الرجالية والنسائية. ومع ذلك، فإن المطالبات بالمساواة في الأجور والمزايا باتت تلقى دعمًا متزايدًا من جماهير اللعبة ومنظمات حقوق المرأة.

منتخبات صنعت المجد وأيقونات غيرن وجه اللعبة
عبر التاريخ الحديث لكرة القدم النسائية، برزت منتخبات وهيمنت على البطولات الكبرى، أبرزها:

الولايات المتحدة الأمريكية: تُعد القوة الأكبر في كرة القدم النسائية، حيث فازت بكأس العالم للسيدات أربع مرات (1991، 1999، 2015، 2019)، بفضل لاعبات أسطوريات مثل ميا هام، آبي وامباك، وأليكس مورغان.
ألمانيا: منتخب ألمانيا للسيدات هو الآخر من أنجح الفرق، حيث حصد بطولتين لكأس العالم (2003، 2007) وحقق إنجازات مميزة في البطولات الأوروبية.
اليابان: فجرت مفاجأة في 2011 عندما فازت بكأس العالم، لتصبح أول منتخب آسيوي يحقق اللقب.
إسبانيا وإنجلترا: شهدت السنوات الأخيرة صعودًا قويًا لهذين المنتخبين، حيث أصبحت إسبانيا بطلة كأس العالم 2023، بينما حققت إنجلترا لقب بطولة أوروبا 2022.
أما على صعيد اللاعبات، فقد ظهرت نجمات غيرن وجه اللعبة، مثل:

مارتا (البرازيل): أسطورة كرة القدم النسائية والحائزة على جائزة أفضل لاعبة في العالم ست مرات.
ميغان رابينو (الولايات المتحدة): أيقونة كروية وناشطة في مجال حقوق المرأة والمساواة في الأجور.
أدا هيغربرغ (النرويج): أول امرأة تفوز بجائزة الكرة الذهبية، وقد قادت فريق ليون الفرنسي للفوز بدوري أبطال أوروبا.
التحديات التي تواجه كرة القدم النسائية
رغم النمو الكبير، لا تزال كرة القدم النسائية تواجه تحديات عديدة، أبرزها:

عدم المساواة في الأجور والمكافآت المالية مقارنةً بكرة القدم الرجالية، حيث لا تزال الفجوة ضخمة بين ما يتقاضاه الرجال والنساء في نفس الأندية والبطولات.
قلة الاستثمار الإعلامي والبث التلفزيوني، مما يحد من وصول اللعبة إلى جماهير أوسع.
غياب البنية التحتية المناسبة في بعض الدول، حيث تعاني فرق السيدات من قلة الملاعب والتجهيزات مقارنةً بفرق الرجال.
التمييز المجتمعي والثقافي، خاصة في الدول التي لا تزال تنظر إلى الرياضة على أنها مجال ذكوري.
المستقبل المشرق لكرة القدم النسائية
مع كل عام يمر، تزداد شعبية كرة القدم النسائية، ويتم اتخاذ خطوات كبيرة نحو تحسين وضعها. بعض المؤشرات التي تدل على أن المستقبل واعد لهذه الرياضة تشمل:

الزيادة المستمرة في عدد المشجعين والحضور الجماهيري لمباريات السيدات، حيث سجلت مباريات مثل نهائي دوري أبطال أوروبا للسيدات أرقامًا قياسية في الحضور الجماهيري.
دخول الرعاة والشركات الكبرى لدعم الفرق النسائية، مما يعزز من قوة اللعبة على الصعيدين الاقتصادي والاحترافي.
الضغط المتزايد على المؤسسات الرياضية لتحقيق المساواة في الأجور والمكافآت المالية، حيث بدأت بعض الاتحادات مثل الاتحاد الأمريكي لكرة القدم في تحقيق المساواة بين فرق الرجال والنساء.
الاهتمام بالفئات السنية الصغيرة وبرامج تطوير المواهب، مما يبشر بمستقبل مليء بالمواهب الشابة التي ستقود اللعبة إلى مستوى جديد من التنافسية والإبداع.
خاتمة: كرة القدم النسائية ليست مجرد رياضة، بل ثورة اجتماعية
لقد تحولت كرة القدم النسائية من لعبة محظورة ومهمشة إلى ظاهرة عالمية تحظى بالاحترام والإعجاب. ومع استمرار الكفاح من أجل تحقيق المساواة والاستثمار في تطوير اللعبة، من المتوقع أن تشهد السنوات القادمة مزيدًا من النمو والتألق. لم تعد كرة القدم لعبة الرجال فقط، بل أصبحت ميدانًا مفتوحًا لكل من يؤمن بالموهبة، الاجتهاد، والشغف بغض النظر عن الجنس.

المرأة في كرة القدم ليست مجرد لاعبة، بل هي رمز للتحدي، الطموح، والإصرار على تحقيق الحلم رغم كل الصعوبات. وهذا ليس سوى بداية لمستقبل مشرق يحمل المزيد من الإنجازات والانتصارات.



شريط الأخبار