العدّ القهري: رحلة داخل عالم الأرقام والوساوس

الامارات 7 - العدّ القهري: رحلة داخل عالم الأرقام والوساوس

العدّ القهري هو أحد أشكال الوسواس القهري (OCD) الذي يبرز في شكل رغبة ملحة وغير منطقية في العدّ أو التفكير في الأرقام بطريقة معينة. يعاني المصابون بهذه الحالة من شعور دائم بالحاجة إلى العدّ كوسيلة للتخفيف من القلق أو لإحساسهم بأن ذلك سيمنع وقوع أمور سيئة. على الرغم من أن العدّ يعتبر مهارة عقلية طبيعية ومفيدة، إلا أنه قد يصبح عبئًا نفسيًا كبيرًا عند تحوله إلى تصرف قهري.

تعريف العدّ القهري

العدّ القهري هو تكرار مستمر لعملية العدّ أو التفكير بالأرقام بشكل مفرط وغير قابل للتحكم. قد يكون العدّ صامتًا أو بصوت مسموع، وقد يترافق مع طقوس معينة أو أنماط محددة يشعر المصاب بضرورة اتباعها.

أسباب العدّ القهري

مثل جميع أشكال الوسواس القهري، فإن العدّ القهري ينتج عن تفاعل معقد بين عوامل بيولوجية، نفسية، واجتماعية، من أبرزها:

العوامل البيولوجية:

اختلال في توازن المواد الكيميائية في الدماغ مثل السيروتونين.

نشاط غير طبيعي في مناطق الدماغ المسؤولة عن التفكير والتحكم بالسلوك.

العوامل النفسية:

الخوف من فقدان السيطرة أو حدوث أمر سيء إذا لم يتم العدّ بطريقة معينة.

ارتباط العدّ بمعتقدات خاطئة عن القدرة على تحقيق الأمان أو الكمال.

العوامل الاجتماعية والثقافية:

تأثير البيئة المحيطة أو التربية الصارمة التي قد تشجع على التنظيم المفرط.

التعرض لتجارب ضاغطة أو صادمة في الماضي.

مظاهر العدّ القهري

يمكن أن يظهر العدّ القهري بطرق مختلفة، ومن أبرز مظاهره:

العدّ أثناء الأنشطة اليومية:

عدّ الخطوات أثناء المشي.

عدّ الأغراض أثناء التسوق أو ترتيبها بشكل معين.

العدّ المتعلق بالأرقام والأنماط:

تفضيل أو اجتناب أرقام معينة.

العدّ بطريقة محددة (مثل العدّ بالمضاعفات أو التسلسل العكسي).

العدّ كطقس قهري:

تكرار العدّ كجزء من طقوس يومية، مثل العدّ قبل النوم أو أثناء تناول الطعام.

العدّ بصوت منخفض أو داخلي لتخفيف القلق.

تأثير العدّ القهري على الحياة اليومية

العدّ القهري قد يؤثر بشكل كبير على جودة حياة المصاب، ويشمل ذلك:

استنزاف الوقت والطاقة:

قضاء ساعات يوميًا في العدّ المتكرر.

التأخر عن المهام اليومية بسبب الانشغال بالسلوكيات القهرية.

التأثير على العلاقات الاجتماعية:

صعوبة في التفاعل مع الآخرين بسبب التركيز المفرط على العدّ.

شعور المحيطين بالارتباك أو الإحباط من هذه السلوكيات.

التأثير على العمل والدراسة:

انخفاض الإنتاجية بسبب التشتت الناتج عن الوساوس المرتبطة بالعدّ.

تجنب مهام معينة تتطلب التركيز على الأرقام.

استراتيجيات العلاج والتعامل

التعامل مع العدّ القهري يتطلب خطة علاجية شاملة تشمل:

العلاج السلوكي المعرفي (CBT):

تقنية "التعرض ومنع الاستجابة" (ERP) التي تساعد المصاب على مواجهة الأفكار الوسواسية دون اللجوء إلى العدّ.

تعديل الأفكار الخاطئة المرتبطة بالأمان والكمال.

العلاج الدوائي:

استخدام مضادات الاكتئاب مثل مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs) لتحسين التوازن الكيميائي في الدماغ.

الدعم النفسي والاجتماعي:

مشاركة المصاب في مجموعات دعم تقدم بيئة آمنة لتبادل التجارب.

التحدث مع الأصدقاء أو العائلة للحصول على دعم عاطفي.

التقنيات المساعدة:

ممارسة التأمل وتمارين الاسترخاء لتقليل القلق.

وضع جدول زمني للمهام اليومية لتقليل الفراغ الذي قد يؤدي إلى زيادة العدّ.

نصائح للمصابين

ابدأ بالتدريج: حاول تقليل الوقت الذي تقضيه في العدّ يوميًا.

كن صبورًا: العلاج يحتاج إلى وقت، فلا تيأس من المحاولات.

اطلب المساعدة: لا تتردد في استشارة مختص نفسي.

احتفل بالتقدم: حتى الخطوات الصغيرة نحو التعافي هي إنجاز كبير.

ختامًا

العدّ القهري ليس مجرد عادة مزعجة، بل هو جزء من اضطراب نفسي يمكن تجاوزه من خلال الفهم والعلاج المناسب. مع التوعية والدعم، يمكن للمصابين أن يستعيدوا السيطرة على حياتهم ويعيشوا بحرية بعيدًا عن قيود الوساوس القهرية. إذا كنت تعرف شخصًا يعاني من العدّ القهري، فإن التفهم والدعم يمكن أن يُحدثا فارقًا كبيرًا في رحلته نحو التعافي.




شريط الأخبار