د. محمد النغيمش
يقول الأديب والقيادي المحنك الدكتور غازي القصيبي: إن «الإداري الغبي لا يستطيع معرفة القرار الصحيح، والإداري الجبان لا يستطيع اتخاذ القرار الصحيح، والإداري غير الماهر لا يستطيع تنفيذ القرار الصحيح» (انتهى كلامه).هذه العبارة تلخص معاناة المسؤولين، الذين لم ينالوا حظهم من التدريب والخبرة، للتعامل مع أهم لحظة في العمل الإداري، وهي اتخاذ القرار، ولذلك يرى د.القصيبي أن هناك ثلاث صفات جوهرية، ينبغي أن يتحلى بها متخذ القرار.
الصفة الأولى عقلية بحتة، وهي المقدرة على «معرفة» القرار الصحيح، ورغم بدهية الأمر إلا أنه في الواقع يظل شيئاً مبهماً لكثير من القياديين، والمتأمل لحياتنا يجد أن من القرارات الصحيحة ذلك الذي يعد «الأقل ضرراً»، وبعض القرارات تتشابه في ظاهرها، لكن تداعيات اختيار التوقيت هي الفيصل في جعل عواقبها وخيمة أو محمودة.
بعض المسؤولين يظن أن القرار الجيد هو ما يحل مشكلة، لكنه ينسى أن حكمة القرارات تتجلى عندما يكون دافعها حل مشكلة مستقبلية متوقعة، بحسب الأرقام والمؤشرات الموثوقة، وكثير من قرارات استشراف المستقبل تصبح تكاليفها أقل عند اتخاذها في وقت مبكر.
بعض القياديين يعتقد أن القرار الجيد هو ما يجب أن يسعد الناس، فحدود معرفته بالقرارات أنها «ذات طابع شعبوي»، وينسى أن قيمة القرارات التاريخية تقاس بمردودها الإيجابي على المدى الطويل أو استدامة تأثيرها، ولذلك ينصف التاريخ أصحاب الرؤية الثاقبة، الذين اتخذوا قرارات لم يدرك أهميتها معاصروها.
التاريخ خير شاهد على رجاحة قراراتنا، لأنه يخلو من عنصري العاطفة ومقاومة التغيير. الصفة الثانية نفسية، وهي المقدرة على «اتخاذ» القرار الصحيح، فما أكثر القرارات التي يعلم أصحابها علم اليقين أنها صائبة، لكنهم لا يجرأون على اتخاذها خشية العواقب.
ولذلك نقول دوماً، إن الإصلاح الشامل الذي لا يمس أحداً لا شك في أنه يشوبه قصور واضح، فمن بدهيات عواصف التغيير أن تقتلع سلوكيات بالية، وتحطم واقعاً مريراً، وتغير أشخاصاً كانوا يقفون حجر عثرة في طريق تطور المؤسسة وأفرادها.
مشكلة كثير من القيادات في القطاع العام بالوطن العربي وغيره من شركات صغيرة أنهم لا يلقون حظاً وافراً من التدريب الذي يؤهلهم لمراكز قيادية أعلى، فبعض الدورات تكون إما سطحية وإما ترضيات أو عقدت في مكان جذب سياحي، فتعتبر بمثابة «تطييب خاطر» لموظف أو مسؤول أكثر من قيمتها المضافة.
وإن كانت من أقوى دورات اتخاذ القرار قد يكتشف المتدرب لاحقاً أن باقي الدورات لا تعزز من المهارات الأساسية الأخرى، التي تدعم القرارات، وتلبي متطلباته التدريبية، وذلك إما بسبب شح الميزانية وإما لافتقار المنظمة إلى منهجية التدريب والتطوير، وهناك استثناءات في إدارات عامة عربية بدأت في تبني الفكر التدريبي والتطويري، بحسب المعايير العالمية، وهم من نرى ثمرات كوادرهم في شتى القطاعات.
الصفة الثالثة هي مزيج من الصفة العقلية والنفسية، أي المقدرة على «تنفيذ» القرار الصحيح، ولذلك يقول د.غازي القصيبي، إننا نجد في كل مؤسسة بل «في كل إدارة مقبرة واسعة تضم القرارات الصحيحة التي اُتخذت ولم تنفّذ»، ولذلك كان من الحصافة ألا نكتفي بالحكمة ولا الشجاعة بل لا بد من وجود المهارة، فالحكيم ليس بالضرورة أشجع، والشجاع ليس بالضرورة من يتحلى بالحكمة، ولهذا كانت المقدرة على تنفيذ القرار مسألة في غاية الأهمية.
إذن يصعب الوصول إلى القرارات الصحيحة ما لم يعرف المسؤول ما هي تلك القرارات، وما كيفية اتخاذها، وطرائق تنفيذها، ولذلك يقول ديل كارنيغي، إن «أصعب اللحظات تلك التي تعتزم فيها اتخاذ قرار يؤلمك، لكنه يعد قراراً صائباً».