«دارة آل مكتوم» .. تحول ثقافي جوهري

د. موزة غباش
تمثل رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، تجسيداً للقيادة الملهمة التي تجمع بين الحفاظ على التراث والانطلاق نحو المستقبل.

وقد أرسى سموه نموذجاً فريداً في فهم التراث كموروث تاريخي وركيزة أساسية لتشكيل هوية الإمارات وتعزيز مكانتها بين الأمم. وقد سعدنا جميعاً بقانون إنشاء «مؤسسة دارة آل مكتوم» كنقطة تحول جوهرية في فلسفة العمل التراثي، والتي تؤكد أهمية المزج بين الأصالة والتحديث لضمان استدامة التراث الثقافي.

ينظر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، إلى التراث باعتباره عنصراً حيوياً يتجاوز مفهوم الحفظ ليصبح أداة فعالة للتنمية المستدامة وبناء الهوية الوطنية. والذي يعكس التزاماً دائماً بحماية القيم الثقافية والتراثية ونقلها إلى الأجيال القادمة بأساليب تواكب العصر. حيث سيتم توثيق الإرث الحضاري المادي والشفاهي لحكام دبي وأسرة آل مكتوم، مما يجعل هذا التراث مصدر إلهام عالمي يعكس عمق التجربة الإماراتية وخصوصيتها.

تهدف «دارة آل مكتوم» إلى جمع الوثائق التاريخية والحفاظ على الإرث الشفاهي، وهذا الهدف الحضاري الاقتصادي يتماشى مع الرؤية الطموحة لتحويل إمارة دبي إلى نموذج عالمي حديث ومتكامل.

وسيكون على المؤرخين والمثقفين والمتخصصين والمؤسسات المختصة في مجال التراث الثقافي التعاون مع الدارة لتوثيق الدور القيادي لحكام دبي وأسرة آل مكتوم في بناء الإمارة الحديثة، وتسليط الضوء على مسيرتهم التاريخية والإنسانية، التي أصبحت نموذجاً عالمياً في مجال فلسفة وبناء الدول والمدن اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.

لا بد من دعم جهود الدارة لإعداد سجل رقمي متكامل يوثق كل جانب من جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية لحكام الإمارة. حيث إن هذا المشروع يقدم قاعدة معرفية فريدة للمستقبل، ويمكن للباحثين وصناع القرار الاستفادة منها في صياغة السياسات وإثراء الخطط التنموية، والعمل كمرجع رئيس لصناع القرار والباحثين والأكاديميين والمهتمين، للاستفادة من مسيرة حكام الإمارة وإرثهم القيادي والفكري والسياسي والاجتماعي والإداري.

حسب القانون، ستكون لـ «مؤسسة دارة آل مكتوم» مهمات رسم السياسات العامة والخطط الاستراتيجية اللازمة لتحقيق أهداف الدارة، ومتابعة تنفيذها، إلى جانب جمع التاريخ الشفاهي للإمارة وحكامها وتوثيقه، وإنتاج الوثائقيات والبرامج المسموعة أو المرئية.

وإجراء المقابلات مع الأشخاص الذين عاصروا حكام الإمارة وشيوخها، والأحداث الرئيسة المرتبطة بهم، وإجراء الدراسات التاريخية المتعلقة بسيرة حكام الإمارة وأسرة «آل مكتوم» وشيوخها الممتدة عبر التاريخ، والآثار والأحداث التاريخية المرتبطة بالإمارة وتاريخها، وتعيين أو التعاقد مع الخبراء والمختصين في مجال الأرشفة والتاريخ.

كما تختص «المؤسسة» بالتنسيق مع الهيئات والمؤسسات والمنظمات المحلية والإقليمية والدولية المعنية، لتبادل المعلومات والخبرات بشأن الوثائق التاريخية، بهدف نشر الوعي الثقافي حول الوثائق التاريخية لصاحب السمو حاكم دبي، والكتب والسير الذاتية والدواوين المتعلقة بسموه.

تتولى المؤسسة كذلك، إصدار الكتب والنشرات والمراجع التي توثق الوثائق التاريخية، وتطوير محتواها الثقافي والإعلامي، لتعميم الخبرات القيادية والإسهامات الإنسانية لصاحب السمو حاكم دبي، من خلال توفير المعلومات للباحثين والمهتمين، والعمل بالتنسيق مع الجهات المعنية في الدولة، لوضع آليات التعاون لتحقيق أهداف «الدارة» محلياً وعربياً وعالمياً.

تنسجم فلسفة التراث مع رؤية سموه بضرورة الاعتماد على نهج شامل يجمع بين التوثيق والتحليل والنشر. حيث يجب توثيق الإرث الحضاري لإمارة دبي بشكل يعكس عمق التجربة الإنسانية للحكام ودورهم في بناء الإمارة. وهذا التوثيق يشمل جمع التاريخ الشفاهي، وإجراء الدراسات التاريخية، وإنتاج الوثائقيات التي تقدم سرداً موثقاً لتاريخ دبي وأسرار نجاحها في التحول إلى مركز اقتصادي وثقافي عالمي.

ما يميز هذه الفلسفة هو إدراكها العميق بأن التراث قوة حيوية تفاعلية تسهم في تعزيز الانتماء الوطني، وترسخ القيم الإماراتية، والذي يدعم رؤية الدولة في بناء مستقبل مستدام. وستكون هذه القوة الناعمة محركاً للتغيير الإيجابي، سواء على المستوى المحلي، وأيضاً في الحوار الثقافي العالمي.

القضايا المتعلقة بالملكية الفكرية للوثائق التاريخية تمثل تحدياً مهماً، ولذلك يأتي دور «دارة آل مكتوم» كمرجعية رسمية تعمل على حماية حقوق الملكية وضمان أن يكون التراث الإماراتي مصوناً ومحترماً داخل الدولة وخارجها، إضافة إلى تبني نهج متوازن يضمن أن الرقمنة لا تهمش البعد الروحي والمادي للتراث، بل تعزز من قيمته وتعطيه أبعاداً جديدة.