كنتم خير أُمَّة

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد
يصف الله تعالى هذه الأمة المحمدية بأنها: ﴿خَيْر أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾، والمراد بالناس الأمم المتقدمة التي بَعث الله تعالى لها أنبياء ورسلاً، وكانت شرائعهم مغيَّاةً بأزمنتهم وأمكنتهم، بخلاف الأمة المحمدية، فإنها شريعة عامة زماناً ومكاناً، لذلك كانت مُفضَّلةً على سائر الأمم، وشاهدةً عليها، ففي الآية الكريمة بيان لفضل أمة نبيِّنا محمدٍ، صلى الله عليه وسلم، على سائرِ الأممِ، لما لهذه الأمة من مقوِّمات اكتسبت بها الخيريَّة، وهي التي بيّنها الله سبحانه وتعالى بقوله: ﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾. هذه الثلاث المقوِّمات التي اتصفت بها هذه الأمة لم تكن في أمة قبلها، فهي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، حسب مراتبه المعرفة المُبيَّنة في السنة المطهرة، في الحديث المشهور: «من رأى منكم مُنكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»، ولا يخلو زمان أو مكان من أزمنة وأمكنة هذه الأمة من الاتصاف بهذه الصفات حسب مراتبها الثلاث.

وهذه الخيريَّة ليست مقصورةً على المهاجرين الأولين، كما جاء عن بعض السلف، بل هي خيرية باقية ما بقي هذا الدين الذي تكفل الله تعالى بحفظه وبقائه، لا يضره من خالفه ولا من ناوأه، فهي صفة مَن أطاع ربه، واتَّبَع أمرَه جل وعز، واجْتَنَب مَحارمَه، كما قرره ابن جرير الطبري، وقد بيّن النبي، صلى الله عليه وسلم، خيرية هذه الأمة بقوله: «ألا إنكم وفَّيتم سبعين أمةً، أنتم خيرُها».

فالتعبير بـ«كان» ليس على أصلها الماضوي، بل معناها: كنتم ولا زلتم كذلك، فهي كقوله تعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾، ويدل عليه حديث: «مثل أمتي كالمطر يجعله الله في أوله خيراً، وفي آخره خيراً»، وفي رواية: «أمتي كالمطر لا يُدرى أولُه خير أم آخره»، فالمسلم يعتزُّ بهذه الخيرية، ولا يتحقق بهذا الاعتزاز إلا أن يُري الله من نفسه خيراً، بأن يتمثل الإسلام بقوله وفعله واعتقاده، فإذا كان كذلك، فإن الله تعالى لن يسلبه ما منحه من الخيرية التي يفاخر بها الآخرين، وهي خيريَّة متصلة بالآخرة، لأنه سبحانه وتعالى ﴿لا يضيع أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً﴾.

إن أمة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أمة مرحومة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمتي هذه أمةٌ مرحومة، ليس عليها عذاب في الآخرة، عذابها في الدنيا الفتن، والزلازل، والقتل»، وعذابُ الدنيا، لا يقارن بالعذاب المهين في الآخرة.

فنسأل الله تعالى أن يعزنا بطاعته، ويرفع عنا العذاب في الدنيا والآخرة.