السفير الصيني .. الصداقة بين الصين والإمارات تضرب جذورها في أعماق التاريخ

الامارات 7 - اكد سعادة تشانغ هوا سفير الصين لدى دولة الإمارات إن أواصر الصداقة بين جمهورية الصين الشعبية ودولة الإمارات العربية المتحدة تضرب جذورها في أعماق التاريخ إذ بدأ التبادل التجاري بين البلدين عن طريق البحر منذ القرن الـ7 الميلادي.

وقال سعادته ان التواصل بين البلدين في مجالات السياسة والاقتصاد والتجارة والطيران المدني والصحة والرياضة كان قبل التبادل الدبلوماسي بينهما مشيرا الى انه في يوم 3 ديسمبر 1971م بعث المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات برقية إلى شو أنلاي رئيس مجلس الدولة الصيني لإعلان قيام دولة الإمارات ورد شو أنلاي ببرقية التهنئة إلى الشيخ زايد معربا فيها عن اعتراف الصين بدولة الإمارات وأبدى كلا البلدين استعدادهما لتعزيز علاقات الصداقة بينهما.

واضاف سعادته انه في يوم 1 نوفمبر 1984 وحرصا على المصالح الأساسية للشعبين اتخذت قيادتا البلدين قرارا تاريخيا بإقامة العلاقات الدبلوماسية مما عكس الحكمة السياسية الثاقبة والرؤية الاستراتيجية للقيادتين وتم إصدار بيان مشترك بهذا الخصوص مما فتح مرحلة جديدة في سجل التبادل بين البلدين اللذين كان يربطهما طريق الحرير البحري القديم.

واكد سعادته انه على مدى الـ31 عاما المنصرمة شهدت العلاقات السياسية بين البلدين نضجا متزايدا وحقق التعاون الثنائي في شتى المجالات نتائج مثمرة وازدادت أواصر الصداقة بين الشعبين قوة وصلابة.. وقال " عندما نستعرض مسيرة التنمية للعلاقات الثنائية نجد كأنها صفحات مضيئة في سجل التاريخ وكأنها حية ماثلة أمام أعيننا".

وقال سعادته " ما زال الشعب الصيني يتذكر بالشكر والعرفان أن حكومة الإمارات قدمت المساعدات السخية التي تشمل مساعدة مالية بقيمة 50 مليون دولار أمريكي ومساعدات عينية ضخمة للمنطقة المنكوبة في بلدة ونتشوان الصينية التي ضربها الزلزال العنيف في مايو عام 2008م وهي من الدول أكثر عطاء وسخاء في تقديم المساعدات للصين في المجتمع الدولي".

جاء ذلك في تقرير لسعادة السفير الصيني بمناسبة زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الى جمهورية الصين الشعبية والتي تبدأ غدا ..استعرض فيه مسيرة العلاقات بين البلدين الصديقين .. وفيما يلي نص التقرير..

إن أواصر الصداقة بين جمهورية الصين الشعبية ودولة الإمارات العربية المتحدة تضرب جذورها في أعماق التاريخ إذ بدأ التبادل التجاري بين البلدين عن طريق البحر منذ القرن الـ7 الميلادي.. وهناك تواصل بين البلدين في مجالات السياسة والاقتصاد والتجارة والطيران المدني والصحة والرياضة قبل التبادل الدبلوماسي بينهما.. وفي يوم 3 ديسمبر 1971م بعث الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات برقية إلى شو أنلاي رئيس مجلس الدولة الصيني لإعلان قيام دولة الإمارات ورد شو أنلاي ببرقية التهنئة إلى الشيخ زايد معربا فيها عن اعتراف الصين بدولة الإمارات..

وأبدى كلا البلدين استعدادهما لتعزيز علاقات الصداقة بينهما.

وفي وقت لاحق أقامت الصين معرض الصادرات الصينية وأنشأت مركز سور الصين العظيم للتجارة في دبي كما فتحت مكتب الطيران المدني الصيني في الشارقة.. وبالتزامن مع ذلك قام المنتخب الصيني لكرة الطاولة والفرق الفنية الصينية بزيارات إلى الإمارات تلبية لدعوات إماراتية.. وفي المقابل زار الصين وزير الأوقاف الإماراتي.

وحرصا على المصالح الأساسية للشعبين اتخذت قيادتا البلدين قرارا تاريخيا بإقامة العلاقات الدبلوماسية مما عكس الحكمة السياسية الثاقبة والرؤية الاستراتيجية للقيادتين وتم إصدار بيان مشترك بهذا الخصوص في يوم 1 نوفمبر 1984م مما فتح مرحلة جديدة في سجل التبادل بين البلدين اللذين كان يربطهما طريق الحرير البحري القديم.. وعلى مدى الـ31 عاما المنصرمة شهدت العلاقات السياسية بين البلدين نضجا متزايدا وحقق التعاون الثنائي في شتى المجالات نتائج مثمرة وازدادت أواصر الصداقة بين الشعبين قوة وصلابة.. وعندما نستعرض مسيرة التنمية للعلاقات الثنائية نجد كأنها صفحات مضيئة في سجل التاريخ وكأنها حية ماثلة أمام أعيننا.

منذ التحاقي بوزارة الخارجية الصينية في ثمانينات القرن الماضي تشرفت كدبلوماسي شاب أن شهدت وشاركت في مسيرة التنمية للعلاقات الصينية الإماراتية خلال أكثر من 3 عقود وخدمت في سفارة الصين لدى الإمارات بين عامي 2002 و2006 قبل أن أعين سفيرا للصين لدى الإمارات في ديسمبر الماضي الأمر الذي يتيح لي أن أعود إلى هذه الأرض التي أعرفها جيدا وأحبها حبا جما وأشعر ببالغ السعادة والشرف بينما ألمس لمسا حيا الثقة الاستراتيجية المتبادلة المتزايدة ومشاعر الصداقة العميقة بين البلدين.

-1 الشراكة الاستراتيجية على أساس الإخلاص والثقة المتبادلة..

في ديسمبر عام 1989م قام فخامة الرئيس الصيني آنذاك يانغ شانغكون بزيارة رسمية إلى دولة الإمارات.. وكان في استقبال فخامته في مطار أبوظبي الدولي الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان على رأس المستقبلين من حكام الإمارات و نوابهم وكبار المسؤولين الحكوميين والعسكريين.. وأجريت مراسم استقبال مهيبة على أرض المطار.. ووضع الشيخ زايد ترتيبات خاصة لاستقبال الرئيس الصيني حيث جاب موكب السيارات للرئيس يانغ شانغكون الشوارع الرئيسية في أبوظبي التي كان يقف على جانبيها الحشود من الجماهير الذين جاءوا طوعيا للتعبير عن ترحيبهم الحار بالرئيس الصيني.. وإن كرم الضيافة الذي حظي به الرئيس الصيني خلال الزيارة عكس بجلاء مشاعر الصداقة التي يكنها الشعب الإماراتي تجاه الشعب الصيني وجعل جميع أعضاء الوفد الصيني متأثرين.. فقال الرئيس الصيني بكل الإعجاب إنه لم يتخيل أن مدينة أبوظبي جميلة إلى هذه الدرجة والشعب الإماراتي كريم ومتحمس للغاية.

وفي مايو عام 1990م قام الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بزيارة رسمية إلى الصين حيث التقى مع الرئيس الصيني يانغ شانغكون بقاعة الشعب الكبرى..

وأهدى الشيخ زايد تمثال الطاووس الرائع كهدية إلى الرئيس الصيني.. وفي المقابل أهدى الرئيس الصيني إلى الشيخ زايد لوحة ضخمة مصنوعة بأسلوب تطريز سوتشو التقليدي الصيني وعليها صورة الشيخ زايد الذي بدا مبتسما من كل زاوية.. فقال الشيخ زايد للرئيس الصيني " إن هديتي إلى فخامتكم لها ثمن ولكن هدية فخامتكم لي لا تقدر بثمن".. وترك سلوك الشيخ زايد وحديثه وذكاءه وكفاءته انطباعا عميقا لدى القيادة الصينية.

وفي عام 2007م حظي الرئيس الصيني آنذاك هو جينتاو خلال توقف طائرته الخاصة في دبي بحفاوة الاستقبال من صاحب سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي.

ما زال الشعب الصيني يتذكر بالشكر والعرفان أن حكومة الإمارات قدمت المساعدات السخية التي تشمل مساعدة مالية بقيمة 50 مليون دولار أمريكي ومساعدات عينية ضخمة للمنطقة المنكوبة في بلدة ونتشوان الصينية التي ضربها الزلزال العنيف في مايو عام 2008م وهي من الدول أكثر عطاء وسخاء في تقديم المساعدات للصين في المجتمع الدولي.

وفي يناير عام 2012م قام سيادة ون جياباو رئيس مجلس الدولة الصيني آنذاك بزيارة رسمية لدولة الإمارات وحضر الجلسة الافتتاحية للدورة الخامسة للقمة العالمية لطاقة المستقبل باعتباره أول رئيس مجلس دولة صيني يزور الإمارات بعد التبادل الدبلوماسي بين البلدين.. ووقع الجانبان خلال الزيارة "البيان المشترك حول إقامة الشراكة الاستراتيجية" بينهما وباتت دولة الإمارات أول دولة خليجية عربية أقامت الشراكة الاستراتيجية مع الصين مما ارتقى بالعلاقات الثنائية إلى المستوى الجديد.

وفي عامي 2009 و2012 زار صاحب سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي الصين بناء على دعوة نائب الرئيس الصيني آنذاك شي جينبينغ حيث أجرى مباحثات مع نائب الرئيس شي جينبينغ والتقى مع كل من الرئيس الصيني هو جينتاو ورئيس مجلس الدولة ون جياوباو ورئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني وو بانغقوه وغيرهم من أعضاء القيادة الصينية آنذاك مما حقق نتائج مهمة كثيرة للتعاون بين البلدين في مجالات الطاقة والاقتصاد والتجارة والثقافة والتعليم وإلخ. كما أقام صاحب سمو الشيخ محمد صداقة عميقة مع الرئيس شي جينبينغ.

وفي فبراير الماضي قام وزير الخارجية الصيني وانغ يي بزيارة إلى الإمارات التقى خلالها صاحب سمو الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس الوزراء حاكم دبي وأجرى جلسة مباحثات مع سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الأمر الذي حدد بشكل أكثر وضوحا اتجاهات تطور العلاقات بين البلدين في المستقبل.

وفي المحافل الدولية تشهد الصين ودولة الإمارات التعاون الوثيق في إطار مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة وتتبادلان الدعم والتأييد في الشؤون الدولية.. فالصين تدعم جهود دولة الإمارات في الحفاظ على السيادة الوطنية وتحترم اختيارها في الطريق التنموي الذي يتماشى مع ظروفها الوطنية وتعتبرها دائما شريك التعاون الاستراتيجي الرئيسي في منطقة الشرق الأوسط والخليج.. وتقف دولة الإمارات بثبات إلى جانب الشعب الصيني في القضايا المتعلقة بالمصالح الكبرى والجوهرية للصين.. كما تعمل الصين ودولة الإمارات سويا على صيانة مصالح الدول النامية الفقيرة والحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة.

- 2 الشراكة الاقتصادية والتجارية على أساس المنفعة المتبادلة والمكاسب المشتركة..

هناك قول مأثور في الصين يقول أن الرجل ينضج في 30 من عمره بمعنى أن الرجل يحقق إنجازات عندما يبلغ عمره 30 عاما.. وعلى مدى أكثر من 30 عاما الماضية شهد التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والإمارات تطورا مستمرا بوتيرة سريعة مثل شاب في عنفوان شبابه وحقق التعاون الثنائي نتائج مشجعة وله مستقبل واعد وفضاء واسع للنمو.

على الصعيد التجاري كان حجم التبادل التجاري الصيني الإماراتي أقل من 100 مليون دولار أمريكي في بداية إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وتجاوز هذا الحجم مليار دولار أمريكي في عام 1995م واخترق حاجز 10 مليارات دولار أمريكي في عام 2005م ثم ارتفع إلى 20 مليار دولار أمريكي في عام 2007م.. وفي ظل تداعيات الأزمة المالية العالمية حافظت التجارة بين البلدين على زخم النمو الطيب فزاد حجم التبادل التجاري الثنائي عن 30 مليار دولار أمريكي في عام 2011م وقفز إلى 40 مليار دولار أمريكي في عام 2012م. وبلغ حجم التبادل التجاري في عام 2014 المنصرم 54.8 مليار دولار مما سجل رقما قياسيا جديدا.

وظلت الإمارات على مدى السنوات المتتالية ثاني أكبر شريك تجاري للصين وأكبر سوق للصادرات الصينية في غربي آسيا وشمالي أفريقيا كما هي محطة هامة لإعادة تصدير وتوزيع المنتجات المصنوعة في الصين التي دخلت الحياة اليومية لأبناء الشعب الإماراتي.

وعلى الصعيد الاستثماري تنظر الإمارات إلى الصين كسوق ناشئ هام وفي الوقت نفسه يزداد تفاؤل المستثمرين الصينيين بإمكانية السوق الإماراتية وآفاقها.. وحتى نهاية عام 2014 بلغ رصيد الاستثمارات الإماراتية المباشرة في الصين 1.15 مليار دولار مع زيادة 6.19 مليون دولار في الأشهر الـ9 الأولى في العام الجاري.. وهناك أكثر من 4000 شركة صينية من مختلف الأصناف تعمل في الإمارات ووصل رصيد الاستثمارات الصينية المباشرة في الإمارات الى 1.66 مليار دولار مع زيارة قدرها 85.62 مليون دولار في الأشهر الـ9 الأولى لهذا العام وتشمل هذه الاستثمارات مختلف المجالات بما فيها البنية التحتية مثل الطاقة والاتصالات والمواصلات والبناء والتشييد والاستثمار المتوسط والصغير الحجم مثل التجارة والأوراق المالية والعقارات الخاصة وخدمات الوساطة وتتنوع جهات الاستثمار منها الشركات العملاقة القوية الرائدة في العالم وذات التكنولوجيا المتقدمة ومنها شركات القطاع الخاص والتجار الصغار أيضا.

وهنا أود أن أشير إلى سوق التنين في دبي بوجه خاص إذ أنها أصبحت أكبر سوق للبضائع الصينية خارج البلاد من حيث المساحة وعدد المحلات وأنواع السلع والتغطية الجغرافية وهي أيضا أكبر مركز توزيع البضائع الصينية في الشرق الأوسط.. أما المحلات البالغ عددها أكثر من 4000 محل فهي صورة مصغرة لشركات القطاع الخاص في الصين الحديثة ويزاول معظم التجار الصينيين فيها أعمالهم بروح المثابرة والاجتهاد ويركزون على بيع البضائع ذات القيمة المضافة البسيطة والأرباح المحدودة ومن السهل أن يتجاهلها الناس ولكن في نفس الوقت لا يستغنى عنها في الحياة اليومية مما يساهم في تسهيل حياة الشعب الإماراتي وشعوب المنطقة.

وعند الحديث عن التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين لابد أن أذكر التعاون في مجال الطاقة.. فالصين بدأت استيراد النفط الخام من الإمارات في عام 1995م وتزداد كمية الصادرات النفطية تدريجيا ففي عام 2014م زاد حجم النفط الخام المصدر من الإمارات إلى الصين عن 11.65 مليون طن بزيادة 13.4% مقارنة مع ما كان عليه في العام السابق.. ومع النمو السريع والمستمر للاقتصاد الصيني ستستورد الصين مزيدا من النفط من الإمارات..

والأهم من ذلك لا يقتصر التعاون الصيني الإماراتي في مجال الطاقة على تجارة النفط فقط بل قامت الشركات النفطية التي تديرها الدولة في البلدين بالتعاون المتبادل المنفعة في مجالات التنقيب والاستخراج والتكرير والبتروكيماويات وأنشأت علاقات الاعتماد المتبادل الوثيقة وعلى سبيل المثال قامت شركة نفطية صينية ببناء خط أنابيب النفط من حقول "حبشان" في أبوظبي إلى ميناء الفجيرة ويعتبر هذا المشروع معلما في سجل التعاون الثنائي في مجال الطاقة وتم تأسيس شركة الياسات المحدودة للعمليات البترولية بالاستثمار المشترك من قبل شركة سي إن بي سي انترناشيونال هونغ كونغ وشركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك" التي تعمل حاليا في حقول النفط البرية والبحرية بإمارة أبوظبي.

ويشكل التعاون المالي الصيني الإماراتي نقطة ساطعة جديدة لتطور العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.. فقد فتحت 4 كبريات البنوك الوطنية الصينية مكاتبها وفروعها في الإمارات وذلك من أجل تقديم خدمات لشركات البلدين وفي المقابل أفتتح بنك أبوظبي الوطني وبنك الإمارات دبي الوطني فرعين بمدينة شانغهاي الصينية و خدمات التعامل بـ"اليوان" العملة الصينية.. وطرح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة مبادرة حول إنشاء صندوق استثمار مشترك إماراتي صيني بقيمة 10 مليارات دولار أمريكي خلال زيارة سموه للصين في عام 2012م وحظيت هذه المبادرة بالاستجابة الإيجابية من القيادة الصينية ويعمل فريق عمل لدى البلدين حاليا على قدم وساق على إتمام الأعمال التحضيرية.. ومن المتوقع التوقيع على الاتفاقية بشأن هذا الصندوق قريبا.. كما انضمت الإمارات كعضو مؤسس إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي تأسس بناء على المبادرة الصينية.

- 3 الشراكة الثقافية والإنسانية على أساس الاستفادة المتبادلة..

وظلت مشاعر الصداقة والمحبة والإخلاص تربط بين الشعبين منذ التبادل الدبلوماسي قبل 31 عاما.. وعندما كنت أعمل في الإمارات في المرة السابقة لم يكن هناك وجود لعدد كبير من الشركات الصينية والجاليات الصينية في الإمارات ولكن هذا العدد ازداد بشكل سريع في السنوات الأخيرة وتعرف الشعب الإماراتي على الصين تدريجيا من خلال المنتجات الصينية وبدأ المقيمون الصينيون العاملون في الإمارات الاندماج في المجتمع الإماراتي وهم يعيشون براحة وسعادة.. وفي الوقت الراهن يبلغ عدد الجالية الصينية المقيمة في الإمارات أكثر من 200 ألف شخص وجاء ذلك في المركز الأول في دول غربي آسيا وشمالي إفريقيا.. ويعمل المقيمون الصينيون في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية بالإمارات ويقدمون مساهمة كبيرة في تعزيز التواصل الشعبي بين البلدين والنمو الاقتصادي الإماراتي.

وشهد التبادل الثقافي والإنساني والسياحي بين البلدين تطورا سريعا فقد وقعت الصين والإمارات مذكرة تفاهم في مجال السياحة في عام 2007م وتم إدراج الإمارات في قائمة المقاصد السياحية للسياح الصينيين في عام 2009م.. وبفضل التطور السريع لقطاع الطيران المدني وتزايد الموارد السياحية وقدرة الريادة والإدارة المميزة لحكومة الإمارات يرغب عدد متزايد من السياح الصينيين في نظرة إلى الإمارات بأم أعينهم وأخذ جولة في جامع الشيخ زايد الكبير والصعود إلى برج خليفة أعلى ناطحة سحاب في العالم والتعرف بأنفسهم على الثقافة الجاذبة بمدينة أبوظبي والاستمتاع بالحياة في دبي مدينة الأعاجيب التي تجمع بين الأصالة والحداثة.. وتوجد حاليا قرابة 150 رحلة جوية أسبوعيا بين الصين والإمارات وتجاوز عدد السياح الصينيين 500 ألف زائر/ مرة في عام 2014م وتزداد عائدات شركات السياحة العاملة في الإمارات بمعدل يتراوح بين 30 و35 بالمائة سنويا من خلال استقبال السياح الصينيين.. كما تنهمك قطاعات السياحة والتجزئة والفنادق بالإمارات في ترويجها تجاه السوق الصينية وينظم العديد من الفنادق والمحلات في الإمارات الأنشطة الفلكلورية الصينية المتنوعة بحلول عيد الربيع الصيني.

إن الحوار والتبادل بين الحضارة الصينية والحضارات العربية والإسلامية على أساس والاستفادة المتبادلة يساهم في تدعيم ازدهار الثقافة لكلا الأمتين كما يقول مثل عربي " التينة تنظر إلى التينة فتينع".. وفي السنوات الأخيرة تتوافد الفرق الفنية وفرق كونغ فو والألعاب البهلوانية والأوبرا الصينية إلى الإمارات ويسافر الفنانون والرسامون الإماراتيون إلى الصين.. وبتنظيم من ديوان ولي عهد أبوظبي يزور الصين نخبة من الشباب الإماراتيين خلال ثلاث سنوات متتالية في إطار برنامج "السفراء الشباب".

ويبدأ عدد متزايد من الطلبة الصينيين دراساتهم في الإمارات وتتصاعد شهرة الجامعات والمعاهد بالإمارات بين الطلبة الصينيين مثل معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا والمعهد البترولي وجامعة نيويورك أبوظبي والجامعة الأمريكية في الشارقة.. وفي المقابل تزداد رغبة المواطنين الإماراتيين في الدراسة بالصين.. وإن أول جراحة عظام إماراتية وطبية في مستشفى زايد العسكري برتبة الرائد موزة الكعبي التي توفيت في حادث أليم شهر أغسطس الماضي هي حاصلة على الماجستير والدكتوراة في الصين وهي أول طالبة مبعوثة إماراتية تخرجت في الصين وتعد السفيرة والشاهدة الحقيقية للصداقة الصينية الإماراتية.. وبالإضافة إلى ذلك وبفضل التمويل الإماراتي تم إنشاء "مركز الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لدراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامية" في جامعة الدراسات الأجنبية في بكين.. وأقامت الصين معهد الكونفوشيوس في كل من جامعة زايد وجامعة دبي كما تم تدريس حصص اللغة الصينية في مدرسة حمدان بن زايد بأبوظبي بالتعاون بين حكومتي البلدين مما يوفر الفرص للمزيد من المواطنين الإماراتيين للتعرف على الثقافة الصينية وتعلم اللغة الصينية.

- 4 الرؤية للتشارك في بناء "الحزام والطريق"..

إن أكثر من 30 سنة الماضية هي الفترة التي تمر بها العلاقات الدبلوماسية بين الصين والإمارات كما هي الفترة التي شهدت النهضة السريعة والأعاجيب في كلا البلدين..فقد قفزت الصين إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم واستضافت بكل نجاح الأولمبياد في عام 2008م ومعرض إكسبو الدولي في عام 2010م.. بينما باتت الإمارات من بين 30 أقوى اقتصاد في العالم ومن أفضل الاقتصادات من حيث بيئة الاستثمار وتحتل المركز الـ14 في قائمة الدول الأكثر سعادة وفازت بحق استضافة معرض إكسبو الدولي في عام 2020م.. وفي ظل تداعيات الأزمة المالية العالمية وتعثر انتعاش الاقتصاد العالمي حققت الصين والإمارات نموا اقتصاديا بمعدل 7.4 و4.6 بالمائة في عام 2014م هذا خير دليل على متانة الاقتصاد وحيويته في كلا البلدين مما أضفى ديناميكية جديدة إلى الاقتصاد العالمي.

إن الثلاثين سنة والنيف التي مضت هي الفترة التي نجحت فيها الصين والإمارات في إيجاد الطريق التنموي الذي يتناسب مع ظروفهما الوطنية عبر جهود دوؤبة وعمل شاق.. وتواصل الصين تعميق الإصلاح وتوسيع الانفتاح وتلتزم بمبدأ "الإنسان أولا" والمفهوم العلمي للتنمية.. ورسمت اللجنة المركزية للحزب الذي يكون السيد شي جينبينغ الأمين العام له "الحلم الصيني" الذي يتمثل جوهره في تحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية.. في حين نجحت الإمارات في الحفاظ على الأمن والاستقرار وانتهاج السياسة الاقتصادية القائمة على الانفتاح والحرية والتعددية تحت القيادة الحكيمة لصاحب سمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة مما وفر حياة كريمة وسعيدة لأبناء الشعب الإماراتي وشكل نموذجا لدول الشرق الأوسط.

وأعتقد أن حلم الشعب الإماراتي وحلم الشعب الصيني متطابقان فيطمح كلاهما للتعليم الأفضل جودة والوظائف الأكثر استقرارا والرواتب الأكثر جاذبية والضمان الاجتماعي الأكثر اطمئنانا وخدمات الرعاية الصحية الأرقى والسكن الأكثر راحة والبيئة الأجمل متمنيا للأجيال القادمة مستقبلا مشرقا.

ففي فصل الخريف لعام 2013 وأثناء زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ لكازاخستان وإندونيسيا طرح مبادرة طموحة للتشارك في بناء "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير" وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين..

وقال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أيضا في فبراير الماضي أثناء زيارته لجمهورية كوريا إنه على الجيل الحالي والأجيال المقبلة إحياء طريق الحرير من جديد ليكون فضاء رحبا لتواصل الثقافات وتلاقي الحضارات وجسرا للتقارب والتعارف والتبادل المعرفي والتجاري ورابطا قويا تتوحد فيه الإرادات لمواجهة التحديات والمخاطر في المنطقة العربية وشرق وجنوب آسيا والعالم.. وهذا خير دليل على الرؤية الثاقبة المشتركة للقيادتين في الصين والإمارات والتطابق التام بين استراتيجيات ومفاهيم التنمية للبلدين.

إن طريق الحرير ظل منذ القدم طريق التواصل التجاري وطريق التبادل الحضاري وطريق التعاون والكسب المشترك واليوم نواجه معادلة سياسية واقتصادية دولية جديدة تكثر فيها الفرص والتحديات معا.. فإن إحياء طريق الحرير البري وطريق الحرير البحري بأفكار مبتكرة ودفع النمو الاقتصادي والتقدم الحضاري في المنطقة أمر يكتسب أهمية استراتيجية خاصة بالنسبة للصين والإمارات اللتين تمر كلتاهما بمرحلة التنمية والصعود.. وإن الأهداف الخمسة التي تحددها مبادرة التشارك في بناء "الحزام والطريق" والتي تشمل تناسق السياسات وتواصل الأعمال وترابط البنى التحتية وتداول الأموال وتفاهم الشعوب هي بالذات تمثل أولوياتنا في الدفع بالتعاون بين الصين والإمارات في كافة المجالات لذا فلها بالغ الأثر على عملية مواصلة تعميق علاقات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.

إن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة.. ويتطلب التشارك الصيني الإماراتي في بناء "الحرام والطريق" توحيد الحكمة والقوة لدى كلا الحكومتين وكافة الأوساط الاجتماعية في البلدين ويحتاج إلى المشاركة الفعالة والجهود المضنية من قبل أبناء الشعبين.

قبل آلاف السنين كان أجدادنا يعبرون الصحاري الشاسعة والمحيط الهندي الواسع بروح المشاركة في السراء والضراء رغم المعانات الكثيرة ليقدموا للعالم الحرير والشاي والخزف والتوابل.. واليوم مرت آلاف السنين وتعمل الصين والإمارات مرة أخرى سويا على تجاوز كافة الصعاب ومواجهة مختلف التحديات حتى تتمكنان من صنع معجزة واحدة تلو الأخرى في أراضيهما الأمر الذي لا يخدم فقط مصالح الشعبين في البلدين بل يساعد في تحقيق الازدهار المشترك في العالم.

وقال كونفوشيوس المفكر الكبير في الصين القديمة " كم نحن سعداء للقاء الأصدقاء القادمين من بعيد ".. وغدا سيزور الصين مرة أخرى صاحب سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بناء على دعوة نائب الرئيس الصيني لي يوانتشاو.. وسيبحث سموه مع القيادة الصينية سبل تعزيز الصداقة والتعاون بين البلدين بما يفتح صفحة جديدة للعلاقات الصينية الإماراتية.. وسترحب الصين بالضيوف الكرام القادمين من بعيد بحسن الاستقبال وكرم الضيافة على مستوى عالي وتعمل على تحقيق نتائج مثمرة للتعاون العملي بين البلدين في كافة المجالات.

إنني على قناعة تامة بأنه تحت رعاية ودعم القيادتي البلدين والجهود المشتركة من قبل الأوساط الاجتماعية في البلدين الصديقين وفي إطار التعاون الاستراتيجي للتشارك في "بناء الحزام والطريق" ستستشرف علاقات الشراكة الاستراتيجية بين الصين والإمارات مستقبلا أكثر إشراقا وسيحقق الشعبان الصيني والإماراتي أحلامهما العظيمة في الازدهار والرخاء.